النظرة الاولى تكفي لاقناعك بزيارة هذا المكان الذي يبدو مظهرة الخارجي وكانه قطعة موغلة بالقدم او ديكور حقيقي لاحد الافلام التاريخية ولكنه في الحقية متحف التراث السرياني في مدينة عنكاوه باربيل الذي كنت اتصور ان جولة صحفية داخلة ستكون روتينية ولكن الحال
النظرة الاولى تكفي لاقناعك بزيارة هذا المكان الذي يبدو مظهرة الخارجي وكانه قطعة موغلة بالقدم او ديكور حقيقي لاحد الافلام التاريخية ولكنه في الحقية متحف التراث السرياني في مدينة عنكاوه باربيل الذي كنت اتصور ان جولة صحفية داخلة ستكون روتينية ولكن الحال تبدل بمجرد دخوله وفيما يلي القصة.
وجوه مبتسمه وكلمات ترحيب تكون في استقبالك بمجرد دخول باب متحف التراث السرياني الذي يتبع للمديرية العامة للثقافة السريانية التابعة لوزارة الثقافة والشباب في اقليم كوردستان، ولا ننتظر كثيراً فمدير المتحف الاستاذ فاروق حنا يرحب بنا بذات الود الذي لقيته من موظفيه وندخل في صلب الموضوع مباشرة وتحديدا في البدايات حيث تم افتتاح المتحف في نيسان عام 2011 وبالتزامن مع راس السنة الاشورية ولكن الاستعدادات سبقت هذا التاريخ بعامين حيث تم تهيئة الهيكل الاداري الذي قام بجولة كبيرة في قرى تللسقف وبغديدا والقوش وشقلاوة وكويسنجق وعدد اخر من المناطق للحصول على المقتنيات الاثرية التي تمثل المادة الرئيسية للمعروضات والقسم الاكبر منها كانت هبات مجانية من اهالي تلك القرى.
ويؤكد حنا ان محتويات المتحف تمثل كل ما يتعلق بحياة وتاريخ وارشيف الشعب السرياني من ملابس وادوات وطقوس وصحافة ونتاجات علمية وادبية وسجل فوتغرافي يؤرخ لحياة اغلب المشاهير السريان واعمالهم والكثير من الاشياء التي يكون التجول بينها ومشاهدتها افضل من الحديث عنها.
ولاتقتصر نشاطات القائمين على ادارة المتحف على استقبال الزائرين وتعريفهم باقسامه ومحتوياته وانما خرجت نشاطاتهم خارج اسواره حيث قدموا العديد من عروض الازياء السريانية وشاركوا في العديد من الفعاليات التراثية على مستوى اربيل والعراق ولازال في جعبتهم الكثير، فهناك خطط التوسع المستقبلية وطموح مديره يصل الى عمل بيوت او مجمعات حيه تجسد ومن خلال اناس حقيقين انماط الحياة والطقوس والمهن والعادات السريانية وكل هذا يكون في قرية تضم عدد من البيوت المبنية على الطراز السرياني القديم.
ويطلب حنا من احدى الموظفات وهي الانسه ماريانا بمرافقتنا في جولة تشمل جميع اجنحة المتحف وتبدأ من الورش الخمسة التي يضمها المتحف وهي ورشة الخياطة وفيها يتم خياطة جميع الازياء الموجودة في المتحف وورشة الحياكة والتطريز وورشة الاكسسوارات ويتم فيها تصميم وعمل جميع انواع الاكسسوارات وورشة للمواد الطينية وفيها تصنع العديد من نسخ الادوات الطينية التي لم يتم الحصول على قطع اصلية منها وورشة الصيانة التي تتولى تنظيف وصيانة وادامة المعروضات وحفظها وارشفتها بطرق واساليب علمية متطورة.
ونلاحظ ان ادارة المتحف عملت على تعويض مساحة المتحف الصغيرة نسبيا باستغلال كل الزوايا والفراغات في وضع المعروضات حيث تحتل تماثيل العاملون في الحياكة وادواتهم فسحة المدخل فهنا ادوات مثل النول والمغزل ودولاب النسيج وهي جميعا كانت تستخدم في الحياكة والنسيج وهنا تمت اعادتها للعمل وتجد منسوجات صنعت باستخدام هذه الادوات التراثية وايضا هناك تماثيل لنساء يستخدمن المطحنة الحجرية وعدد اخر من الادوات المنزلية التراثية.
وفي القاعة الارضية يستقبلك الجناح المخصص للازياء ويضم اكثر من 30 زيا تتوزع بين ازياء الرجال والنسا ء والاطفال وكبار السن وازياء للزواج والعمل والدراسة وعن تنوعها تؤكد ماريانا ان لكل قرية ازياء خاصة تختلف قليلا او جذريا عن القرى الاخرى الامر الذي انتج عددا كبير من الازياء السريانية التي بقي الكثير منها مستخدما لحد الان في مناطق مثل كرمليس وبرطلة وبغديدا.
وينتاب الزائر لهذا المتحف شعور حقيقي بالعودة الفعلية في الزمن فكلما يحيط به ينتمي للماضي وليس هناك سوى الاضاءة التي تذكرك بالعاصر الحالي خصوصا وانت تدخل الى جناح ادوات المطبخ والمنزل حيث تصطف الغرابيل بانواعها واحجامها والجاروشة الحجرية والاطباق الطينية والسلال والصناديق الخشبية وحافظات طينية لتجفيف وحفظ الفواكه والخضروات فيما تنتصب اسطوانة كبيرة تشبه التنور الطيني وهي في الحقيقة ثلاجة ذاك الزمان وتستخدم في حفظ الخبز طريا وطازجا واشكال مشابهه ومثقبة لحفظ الاطعمه وبالقرب منها تجد جناح المعادن وتتصدر معروضاته مناقل القهوة والقدور الحديدية والسماور والشبابيك الحديدية ذات الزخارف الجميلة وتنتصب في زاوية هذه القاعة الة تراثية كانت مستخدمة في استخراج الزبد من اللبن وهي عباره عن ثلاثة اعمدة خشبية تمسك بقربة جلدية محكمة الغلق يوضع بها اللبن وتهز لحين استخلاص الزبد منه.
والى هنا يخيل لك انك شاهدت بما فيه الكفاية وان المعروضات انتهت ويأتيك الجواب بان هناك القاعة الثقافية في الطابق الثاني وهي عبارة عن ارشيف ورقي وفوتغرافي وسمعي ومرئي ضخم لابرز المحطات والشخصيات والمناسبات في التاريخ السرياني.
وتمتد جدران خشبية طويلة تحمل صور ونبذ مختصرة عن رواد النهضة الفكرية والثقافية السريان ونتاجاتهم الادبية والى جانبه يمتد القسم الخاص بتوثيق نشوء وتطور الصحافة السريانية والتي يعود تاريخ تأسيسها الى منتصف القرن التاسع عشر وهناك ايضا قسم يختص بصور فوتغرافية قديمة جدا تظهر جانب من العادات والطقوس والمناسبات بالاضافة الى صور الشخصيات الشعبية في التاريخ السرياني وتتوسط القاعة عدد كبير من الادوات القديمة ومنها الات تصوير يعود تاريخها الى بداية القرن العشرين وبعض البنادق والاسلحة البيضاء الاثرية في حين تنتهي القاعة باستديو صوتي يمكنك ان تستمع فيه الى النتاجات الموسيقية والغنائية السريانية القديمة وصالة عرض سينمائية مصغرة يتم فيها عرض بعض الافلام الوثائقية والتسجيلية المرتبطة بالتاريخ السرياني.
انظر الى ساعتي واجدني قد قضيت اكثر من ساعتين في هذا المكان الذي تخيلته بانة الة الزمن الاسطورية التي اعادتني بمجرد دخولها الى تفاصيل وحكايات الماضي الجميل وقررت العودة الى الحاضر وودعت اللطيفة ماريانا التي كان اختيار المدير لها موفقاً للغاية بسبب معرفتها ومعلوماتها الغزيرة واعرج في طريق الخروج لوداع الاستاذ حنا الذي يطالبني باعادة الزيارة فاجيبه بالموافقة وفي اقرب فرصة ممكنة.