هل من الصحيح ان يمتلك نظامنا السياسي ثقة كبيرة بنفسه، حتى في لحظات انسداده او جموده؟ هنالك عراقيون يتحدثون بحماس هذه الايام، عن فرحهم ب"سقوط المنطقة الخضراء" المرتقب، كرمز لسقوط المالكي او النظام السياسي. ولست هنا في صدد ان اؤيد هذا "الفرح" او اقوم بإدانته، لكن الامر يجعلنا نتساءل: من الذي دفع شريحة واسعة الى ان تتملكهم أمنية من هذا النوع؟
والامر لم يعد مجرد انقسام بين طائفتين، بل هناك سخط رهيب داخل طائفة المالكي نفسها، راح يرتسم عبر الشتائم التي لا تنقطع وهي تتوجه الى كل رموز الدولة من البرلمان الى الحكومة وسواهما، والسخط يبدأ من الامتيازات المالية ولا ينتهي بالفشل في ادارة كل شيء. ويندفع هذا السخط الذي تحول الى كراهية، كلما فشلت الدولة في حفظ ما تبقى من هيبتها. وأي شعور سيتملك اي مواطن، حين يرى هذا الذعر حول المنطقة الخضراء، ونشر الخنادق المصنوعة بأكياس الرمل، وحواجز الاسمنت، وكأن كل التحصينات حول "دار الامارة" غير كافية، والمطلوب ان نقتطع جزءا اخر من العاصمة لاحاطتها بطوق امني اضافي؟
لقد جرى التهوين من شعور الناس بالغضب، ولم يشعر معظم الساسة بضرورة الاستعجال في انقاذ التسوية السياسية، والنتيجة ان محافظات كبيرة شاركت في الانتخابات البرلمانية السابقة بنسبة ٨٠ في المائة، لا يخفي الكثير من سكانها فرحهم فيما اذا نجح مسلحون في اقتحام المنطقة الخضراء واسقاط المالكي او الدولة او اهانتهما على الاقل!
ان نظامنا السياسي حقق نجاحات طيبة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار انعدام خبرتنا السياسية في ادارة نظام تعددي برلماني، وانعدام خبرتنا في تصميم مصالحات اجتماعية، ونزول بلاء التنظيمات المسلحة والدول "المارقة" التي تسلح الشباب من مختلف الطوائف. كما ان نظامنا السياسي وجد شيئا من ارادة لتصحيح نفسه، الا ان ذلك كله لم يكن بالسرعة المطلوبة، وسط تسارع اليأس ونتائج حماقات السلطان، الى نفوس خلق كثير.
وها نحن نتأخر في معالجة التبعات الاجتماعية لسياسة الاجتثاث، ونتجاهل رغبة الحكومات المحلية في المحافظات الساخنة لاشراكها في ملفها الامني ووقف خطط الاعتقال المتعسف للاهالي، ونتجاهل اشياء كثيرة اخرى تخص مبادئ السلم. وكل يوم اضافي من التأخير والتجاهل، هو هدية كبيرة (مدروسة او غير مدروسة) يقدمها نظامنا السياسي للتنظيمات المسلحة، فالتأخير يعني يأسا لدى جمهور عريض، وحين يفقد الجمهور ايمانه بالنظام سيسهل انخراطه في اللانظام، حيث القاعدة ورجال الطريقة النقشبندية.
ولو سقط النظام هذه المرة فلن ينجح احد في الاستيلاء على احد. لا السنة سينجحون في حكم مناطق البترول الشيعية، ولا الشيعة سينعمون بحكم غيرهم. بل سنكون امام انقسام رهيب يشجعه وضع سوريا الفوضوي المبكي، وسيكون من المعقد اعادة بناء نظام تعددي يكفل حقوق الجميع، ويصنع تقاليد للتسويات، وسيظهر الثأر تلو الثأر، ونخسر المزيد من السنوات في التشاتم والتلاعن، وتتصاعد سخرية اللاعبين الاقليميين والدوليين، من اهل العراق الحائرين بتقاسم الثروة والسلطة.
ان معارضي المالكي يمتلكون منذ اتفاق اربيل ٢٠١٠ خارطة انقاذ ومراجعة لابأس بها، وقد نجح المالكي وعوامل كثيرة اخرى، في احباط تلك الاصلاحات. وشهد البرلمان في شهوره الاخيرة تقدما في بعض الملفات. لكن فريق الاصلاح يقول ان على العراقيين ان ينتظروا حتى الاقتراع النيابي المقبل، ليتم اعادة تعريف الوقائع السياسية والمضي بمراجعة يفترض ان تنتج اسباب التصالح، وتعيد للناس ايمانها بالنظام.
لكن الظرف الاقليمي الملتهب وكل الحماس المنبعث لدى تنظيمات الموت، وكل الاخطاء التي ترتكب داخل مكتب القائد العام، يسبق احلام الاصلاح والتصالح التي يتحدث عنها القادة من اربيل الى نينوى وبغداد والنجف والبصرة. انه سباق بعربات موت، ثمنه قد يطيح بنا جميعا، او يرمم لحظتنا السوداء. الفريق الذي يريد الهدم والتشبث بالقوة لديه مهمة اسهل، فلا اسهل من رسم الخراب. ولذلك فهو لا يجد مشكلة في التهور اثناء سباق الموت، اما الفريق الذي يعلن ايمانه بصيغة التعدد السياسي والتصالح، فهو امام مهمة بناء معقدة ومكلفة وتتطلب تنازلات كبرى امام جمهور من كل الطوائف، ولذلك يعم التردد والبطء ويضعف التنسيق، ويصبح الصمت لونا ساديا من الاستسلام لمرور الوقت.
هناك شريحة واسعة يدفعها الغضب، للفرح بفكرة سقوط النظام، وهؤلاء شاركوا بقوة في الاقتراع النيابي السابق ثم فقدوا ايمانهم. ووزر ذلك تتحمله "عقلانية" معارضي المالكي التي تخسر السباق مع عربات موت يقودها بتهور جنرالات غير مسؤولين وتنظيمات بعقيدة سوداء
"عرس سقوط الخضراء"
[post-views]
نشر في: 4 أغسطس, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
hazim
كل هذا الخراب الذي عمله المالكي وعصابات الموت التحالف والتحالف الكردستاني لا يمانع من تولي المالكي الحكم للمرة الثالثه ان هذا الكلام هو جريمه ترتكب بحق الشعب العراقي
مهران
كل القوات والمتاريس لن تنفع المالكي لان نظامه منخور ومتهرء وبني على الظلم والقهر والطائفية واغتنام الفرص لاكبر سرقة للاموال العامة كل جيوشه وكل عباقرة جيشه من اهل الدمج لم يستطيعوا حماية سجن ابو غريب انهم اليوم عاجزين عن حمايته وابنه ونسيبه (إن الذين يأكل
مهران
هذه قوات المالكي مصدر في شرطة مدينة ابو غريب قد صرح،يوم الجمعة الماضي، أن رجلا توفي بعد تعرضه للضرب من قبل قوات (سوات) خلال تنفيذها أمر اعتقال نجله في قضاء ابو غريب غربي بغداد.وقال المصدر ان قوة قادمة من بغداد تابعة لقوات سوات اعتقلت، مساء أمس الأول، نق