ليس أصدق من وصف الرسول لابن عمه حين قال "من أراد أن يرى آدم في علمه ، ونوحاً في طاعته ، وإبراهيم في خلته ، وإلى يحيى في زهده ، وموسى في بطشته ، فلينظر إلى علي أبن أبي طالب".
لم يولد إمام المُتّقين العالم، الشجاع، التقي، النقي، الفقير، الزاهد، الخبير، الفيلسوف، النحوي، المفكر، العبقري، البطل، نصير الفقراء في بيت أبيه، مثل بقية خلق الله، وإنّما في الكعبة المُشرّفة، أسلم قبل الهجرة، وهو ثاني أو ثالث الناس دخولاً في الإسلام، وأوّل من أسلم من الصبيان، هاجر إلى المدينة بعد هجرة النبي بثلاثة أيّام، حيث آخاه الرسول مع نفسه، حين آخى بين المهاجرين والأنصار، وزوّجه ابنته الزهراء، شارك في كُل غزوات الرسول، عدا تبوك حيث خلّفه فيها النبي على المدينة، عُرف بشدّته وبراعته في القتال، فكان عاملاً مهماً في نصر المسلمين في مختلف المعارك، وأبرزها الخندق وخيبر، كان موضع ثقة الرسول، فكان أحد أهم سفرائه ووزرائه ومن كتاب الوحي.
نظراً لما تتمتع به شخصيته من تنوع إيجابي، إختلف المسلمون حول شخصيته، فنظر إليه أهل السُنّة باعتباره أحد الصحابة، ومن أهل بيت النبي، ورابع الخلفاء، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهم لا يعتقدون بوصايته، لكنه أحد عظماء الإسلام، كما يعتقدون أنه أفضل أمة المسلمين، باستثناء الرسول والخلفاء، ويُفسّرون خلافاته مع بعض الصحابة، بأنّها اختلاف اجتهادي بين صحابة عدول، وليس خلافاً دنيوياً، أو صراعاً على السلطة أو غيره، وفقاً لعقيدة عدالة الصحابة، بينما يرى شيعة آل البيت أنّ نصير الفقراء، هو الخليفة الشرعي للمسلمين ويسمونه بالوصيّ، ويوافقهم في ذلك الطرق الصوفية الشيعية، كما يعتقدون بعصمتة هو والنبي وأهل بيته من الخطأ والسهو والنسيان، ويغالي بعضهم بتفضيله على الأنبياء والرسل، كإبراهيم وموسى وعيسى، باستثناء الرسول محمد، وتصل المغالاة حدّ مساواته بالرسول، إلاّ في النبوة، بينما يعتقد الشيعة الزيديون أن علياً هو أفضل أمة محمد بعد الرسول، ثم تأتي فاطمة والحسن والحسين، ومن بعدهم ذرّيتهما، ولا تعتقد الشيعة الزيدية أنّه أفضل من الأنبياء والرسل، ولا بأنّه معصوم.
تأتي ذكرى استشهاده في زمن يتكاثر فيه المُتاجرون بها، ولأنهم بعيدون عن كلّ فضيلة اتّصف بها، فإنهم يحولون ذكراه إلى حدث فولكلوري، دون اتّعاظ بسيرته العطرة، أو التأسّي بأي من صفاته، التي منحته موقعه الرائد في تاريخ الإسلام، وتهل ذكرى أبي الفقراء، التي لاتغيب عن أذهان الشرفاء، فيما الحاكمون باسمه، وهو الذي حين كانت بيده المقاليد كافة إلا بعض بلاد الشام الخاضعة لحكم معاوية خرج يوما و معه سيفه ليبيعه، فقال «من يشتري مني هذا السيف،فوالذي فلق الحبة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله، و لو كان عندي ثمن إزار لما بعته»، هؤلاء اليوم يكنزون الذهب والفضة حراماً وجهاراً نهاراً، حتّى أن واحداّ يحمل اسمه، ويُسمّي ولديه باسمي فخر شباب الجنة، يتباهى بأن ابنه بذّر ما يكفي عيشاً كريماً لأكثر من عائلة ولشهر كامل على عبثه بجهاز الموبايل، تُرى لو عاد الإمام اليوم كيف يتعامل مع هذه الأنماط من البشر، بل كيف سيتعامل هؤلاء معه بغير ما ارتكبه الخوارج.
نقف اليوم بخشوع أمام من قال عنه جبران خليل جبران " إنّ نسبته إلى من عداه من الأصحاب شبه المعقول إلى المحسوس"، ووصفه الشاعر مظفر النواب " لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك وسموك شيوعيا ".
الإمام في ذكرى استشهاده
[post-views]
نشر في: 4 أغسطس, 2013: 10:01 م