مظاهر تزعزع النظام العام في البلاد تزداد كل يوم، سواء على الصعيد الامني او الخدمات المفقودة او الاحوال المعيشية، او تفشي الفساد والتضييق على الحريات. لكن ذلك لا يقود الى توافق سياسي بين الفرقاء المهيمنين على السلطة، من شأنه إيجاد حلٍ يوقف التدهور،
مظاهر تزعزع النظام العام في البلاد تزداد كل يوم، سواء على الصعيد الامني او الخدمات المفقودة او الاحوال المعيشية، او تفشي الفساد والتضييق على الحريات. لكن ذلك لا يقود الى توافق سياسي بين الفرقاء المهيمنين على السلطة، من شأنه إيجاد حلٍ يوقف التدهور، على الاقل، ان لم يكن ممكناً التنفيس عن حالة الاحتقان، وانهاء الازمة العامة المتفاقمة، التي هي في الجوهر، أزمة حكم وحاكم فاشل متفرد.
ويشهد العراق يومياً مذابح وأعمال تدمير، يرتكبها الإرهابيون التكفيريون من جانب، بموازاة ما يستنزفه الحكام الفاسدون من الثـروات، أو ما يستبيحونه من الحريات والحقوق، تفيض كل واحدة منها عن الحق العام بالمساءلة والقصاص والتجريم. وهو ما نشهد له أمثلة صارخة كل يوم، في البلدان التي لم تنضج فيها بعد القيم الديمقراطية والحقوق والحريات، ومفاهيم المواطنة وتداول السلطة!
لكن رد الفعل العام الشعبي على الانتهاكات ومظاهر انهيار منظومة المبادئ الديمقراطية وحقوق المواطنة والإنسان، يكاد لا يتجاوز الاحتجاج الكلامي، والتعبير عن الاستياء والغضب وفقدان الثقة، وفي حالات محدودة، تجري ترجمة ذلك إلى تظاهرٍ واعتصاماتٍ محدودة، لا تمس جوهر المصيبة، ولا العوامل التي تعيد إنتاج تجليات فادحة لها دون توقف.
وفي تلازمٍ مع ردّ الفعل الشعبي هذا يتكشف التواطؤ والمسؤولية التضامنية، للمعنيين بإدارة السلطة السياسية في البلاد، الشركاء وإن بتفاوت، في الحكومة ومجلس النواب، وفي مراكز القرار والتحكم في مرافق الدولة الفاشلة. ويبدو على هذا الصعيد استسلامهم لما هو قائمٌ كأمرٍ واقعٍ لا مرد له، بقدرة قادرٍ لا تطاله إرادة الشعب، او اي إرادة أخرى، سوى ما يعرفه أولو الامر والنهي في العملية السياسية المتهافتة، او في التحالف الوطني على وجه التحديد. ومع ان اصوات بعض قادة التحالف ، تعلو بالاحتجاج والاستنكار والتحذير من الاخطار التي تتهدد البلاد جرّاء استشراء وتفشي الارهاب والفساد وسوء الاحوال، فإنها لم تطرح ما من شأنه ايقاف او محاصرة الازمة او التخفيف من الاحتقان، كما لا تنم الحلول والبدائل "اللفظية" عن ادراكٍ عميقٍ لما يمكن ان ينجم عن استمرار هذا الوضع من تداعياتٍ مفتوحةٍ على احتمالاتٍ، اقلها سوءاً، أكثرها تهديماً لما نحلم به من عراقٍ يقبل التعايش بين أبنائه، ويحمي حقوق وحرمات المواطن، ويؤمن سيادة واستقلال دولة تطمح في ان تحفظ لها موقعاً او مكانة، بين الدول والأمم المتحضرة.
لا احد في ظل الأوضاع المعقدة الراهنة، شديدة التأزم والتداخل والتناقض، يطالب التحالف الوطني، باعتباره صاحب الولاية على رئيس مجلس الوزراء بحكم نظام المحاصصة الطائفية المتآكلة، باعتماد حلولٍ جذرية آنية، لإدراكنا باستحالة اتخاذها مثل هذا الخيار ، ونعرف، لاكثر من سبب ، انها اعجز من ان تقوم بها، كأن تُقدِم على اقصاء المالكي، او إجباره على التنحي، او تحديد صلاحياته، وكل واحدةٍ من هذه التدابير تتطلب جُرأة وجسارة ومسؤولية وطنية، كنا نتمناها لقيادة التحالف الوطني. لكنها، اذا ما تخلينا عن أحلام الظهيرة والتمادي في التمنيات والتقدير المبالغ فيه، لم تبادر للتعبير ولو بالحدود الدنيا عن تفهمها بوضوح، للمخاطر المتزايدة، ومظاهر الانحدار والتحلل والتفكك التي آلت اليها الاحوال في البلاد، مما يتطلب إجراءً "منصِفاً" وقراراً حكيماً ، يعكس الشعور بالمسؤولية الوطنية، ويعفيها من العواقب التي تحدق بالبلاد ، ويُقنع المواطنين بأن هذه الكتلة النيابية ، معنية حقاً بمصائرهم والحفاظ على حياتهم وممتلكاتهم وحياض وطنهم، بوصفها الكتلة الاكثر عدداً، والمخولة وفقاً للاستحقاق النيابي والسياقات الدستورية ، بتشكيل الحكومة وتحديد تركيبتها الاساسية ، وتسيير شؤون الدولة وقيادة دفة الحكم.
ان قوى التحالف الوطني اذ تكتفي بالإعلان "اللفظي" عن عدم الرضا، لا تكشف للجمهور او حتى لناخبيها، عن سر عجزها او عدم قدرتها على تقويم اعوجاج الحكم، إن لم نقل اعوجاج المكلف عنها في إدارة الحكومة، وترددها في تبرئة حالها من النهج والسياسات المغامرة التي ينتهجها ويصر عليها، رغم الإخفاقات التي مني بها، والفشل الذي انتهى اليه في معالجة أي ملفٍ من الملفات الحيوية، او أي استحقاقٍ سياسي او مطلبي خدمي، او تدابير على صعيد حماية الامن العام والسلم الاهلي. وهي اذ تتجنب هذا تتناسى انها بذلك، مجتمعة ومنفردة، تتحمل المسؤولية السياسية والجنائية عن "جرائم الحكومة"، سواء بسبب الفشل في ردع الارهاب، وتأمين حماية ارواح ودماء العراقيين الزكية، او بجريرة تبديد ثروات البلاد، وايقاف عجلة تقدمها وتطورها.
وليس صحيحاً أن التحالف الوطني المسؤول عن السلوك السياسي لرئيس مجلس الوزراء وفريقه الموالي، لا حول له ولا قوة في اطار تحديد السياسة العامة للبلاد، اذ كيف يقبل التحالف لنفسه ان يكون مجرد "ديكورٍ" يعبث في اطاره "المختار" من قبله ، ليتَسيّد على مقدرات العراق ارضاً وشعباً وثروات، ويتلاعب بها على هواه، ووفقاً لما تمليه عليه مصالحه واطماع فريقه السياسي والاداري ..؟ ورغم المؤاخذات الكثيرة ، فاننا لا نتمنى ان يقبل قادة التحالف الوطني لنفسه مثل هذا الدور والتوصيف ، وهو من يضم في اطاره ، قوى اسلامية تردد الشهادة، بان "علياً ولي الله" وهي شهادة ان تمثَلتّها، وضعت نفسها امام كبيرة الكبائر بالنسبة للامام علي، كما لابد انها تعرفه وبانت لها سرائره، من نهجه في الحياة والحكم، التي اكدت على وجوب المجاهرة في كشف الباطل مما يدخل في باب الظلم او الجور او الفساد او التعدي على الأرواح والمقدسات، والتصدي لها مهما كلف الأمر! فان لم يكن ما نشهده او نحياه، من باب الظلم السافر والفساد الشائن، والتعدي على الحرمات، فماذا يمكن له ان يكون؟
واذا ما اخذنا ببعض الحجج التي تُساق، من اطرافٍ في التحالف الوطني "الحاكم" من ضرورة اعتماد الآليات الدستورية في اجراء اي تعديلٍ او تغيير في قوام الحكومة وتركيبتها، فاين نحن من الآليات التي تُسيّرُ التحالف الوطني نفسه، ويُفترض اعتمادها داخلياً في تقويم سلوك من يمثلها، وإلزامه بضبط إيقاع سلوكه ونهجه الحكومي لعكس سلوكها وإيقاعها السياسي، إلا اذا رأت في ما هو قائم في اساس الحكم، المعبر الحقيقي عن هذا السلوك والايقاع .
وخلافاً للمجاهرة ، والرفض ، لا فائدة من إيراد أي تبريرٍ للتملص من المسؤولية والتمويه على الصمت، كما لو انه تعبير عن موقف.
الا تسمح هذه الآليات الداخلية للتحالف الوطني الحاكم، ان كانت تحكمه آليات داخلية في الواقع، بإلزام رئيس مجلس الوزراء "ممثلها" على رأس الحكومة، بإشغال الوزارات والأجهزة الأمنية التي يديرها مباشرة، بكفاءات "غير حزبية" معروفة بالنزاهة والكفاءة، لعلها تنجح في ما فشل فيه وأخفق؟ وهل تعجز هذه الآليات في فرض نظام داخلي لمجلس الوزراء، ينفرد التحالف وحده دون القوى الأخرى بصياغته، ليسترشد به مجلس الوزراء في سير أعماله؟
الا تشعر قيادات التحالف الوطني، بالحرج من تفكك المؤسسة العسكرية والأمنية، بفعل التحكم الفردي، المجرد من الكفاءة والدراية والتخطيط، التي أثبتتها بشكل دامغٍ حادثة الهروب الجماعي لقادة القاعدة من سجني ابو غريب والتاجي؟
ثم ليس في اولويات التحالف الوطني، الدفاع عن سمعتها ورصيدها السياسي والأخلاقي، ان رأت أنها لا تتحمل المسؤولية عن افعال ونهج وسياسة السيد المالكي، وانها عاجزة، لأي سبب كان، (وليس مطلوباً منها الاتيان على ذكره لتجنيبها الإحراج)، مكاشفة الرأي العام ووضعه في صورة المشهد والحال والازمة التي تنزلق اليها البلاد، ورؤيتها المجهضة لها بفعل فاعلٍ لا حول ولا قوة لنا مجتمعين على مجابهته حتى الى حين..؟
جميع التعليقات 2
علي العراقي
اتمنى ان يقرأو مقالك هذا ويحاولون انقاذ ماتبقى من البلاد والله هذه الكلمات دستور واعرف انهم لا يقرأون ولو قرأوا لا يفهمون ....تحياتي لك ايا الكاتب الجميل
محمد سعيد
ان كاتب الافتتاحيه عالم مخضرم وعارف حذق بمكونات التحالف الوطني انه تجمع يضم كتل واحزاب دينييه, يغلب عليها سمات الطائفه الشيعيه , والتي ترسخ في اعتقاده وتصوراتها بان تغيير نظام الحكم السابق يجب ان يرثه من كان مظلوما فضمن هذا التصور المبتور و