يعد المسرح منذ حضوره الطقسي بين معابد اثينا حتى مراحل التجريب والبحث في وقتنا المعاصر واحدا من الركائز الاساسية في الحياة الحضارية في اي بقعة من العالم يحل فيها صرحا ومنبرا ومدرسة للتنوير والمعرفة والمتعة ومنذ انبثق المسرح وترسخ كيانه على ايدي
يعد المسرح منذ حضوره الطقسي بين معابد اثينا حتى مراحل التجريب والبحث في وقتنا المعاصر واحدا من الركائز الاساسية في الحياة الحضارية في اي بقعة من العالم يحل فيها صرحا ومنبرا ومدرسة للتنوير والمعرفة والمتعة ومنذ انبثق المسرح وترسخ كيانه على ايدي مريديه ومنظريه والعاملين داخل فضائه وخلف كواليسه اثار حوله الكثير من الجدل والدهشة فهو الذي يرتبط بكل ما هو علوي سماوي وهو الذي يمد وشائجه مع كل ما هو مغاير ومشاكس ومحتج وهو الذي يخز كور النحل لتنطلق الاسئلة تقلق الضمائر وتنبه النفوس وهو الذي يضج بالجمال والاناقة والحميمية , المسرح سحر اللحظة الحاضرة في الهنا والان منذ تطلع اليه محبوه وحلقوا مع اغاني واشعار ولواعج كتابه ارتضى هؤلاء المحبون ان يضعوا لهفتهم وافتتانهم به من خلال العراف الاول واللاعب الماهر في فضاء خشبته الممثل داخل فضاء الخشبة لذا يعد الممثل احد الركائز المهمة في العروض المسرحية ولطالما ارتبطت عروض مسرحية ناجحة بأسماء ممثلين وممثلات منحوا العرض هدفه وتأثيره , لذا لابد لنا من ان نتحدث عن الممثل
كان فن الممثل وما زال من اعظم الفنون منذعصر الاغريق حيث وجود الممثل الاول على خشبته حتى يومنا هذا وقد مر هذا الفن عبر قرون بحالات من التطور والتغيير والاكتشافات التي مرت على المسرح فألبسته حللا جديدة واكسبته ألقا خلابا يختلف في نسقه وطرازه وأسلوبيته بين عصر وعصر بقي فن الممثل رغم كل التغييرات والتبدلات التي جرت في المسرح والتي شملت كل عنصر من عناصره المتنوعة بقي ذلك الفن الساحر البارع الذي يقود اللعبة المسرحية داخل فضاء الخشبة ظهر الممثل المشخص والخطابي والممثل الذي يعتمد الصدق الداخلي في الاداء حد التماهي كما ظهر الممثل الذي يتخذ من الشكل الخارجي طريقا للوصول الى اسرار النفس الانسانية وكان تأثيرظهورهذه الانواع ناتج من تأثير ظهور مخرجين ومثقفين ومبدعين ابتكروا طرقا جديدة في المعالجة الاخراجية والاداء وقد اعتمدوا الممثل العنصر الاول والاساس في اثبات طرائقهم ونظرياتهم الجديدة ولم يكن ما ابتكروه وجاءوا به من افكار وتجارب الا نتيجة لدراسة وبحث وخبرة وتقصي استغرق منهم سنينا طوال للوصول الى هذا الفهم والاسلوبية بعد ان اخذوا بنظر الاعتبار العلاقة القائمة والمتبادلة مابين فن الممثل والمتلقي ودور المخرج وتأثيره ومن هؤلاء المخرجين المجددين ستانسلافسكي وبيتر بروك ومايرخولد وبرخت وكروتفسكي وغيرهم من كبار المخرجين واصحاب المدارس والطرق الحديثه في فن الممثل ولاجل تسليط الضوء والتعرف على الجديد والمغاير في هذه المدارس الفنية سوف نتطرق الى عمل بعض من هؤلاء المخرجين المبدعين والية اشتغالهم مع الممثل ولعل خير من نبدأ معه هو ذلك المسرحي العتيد ستانسلافسكي الذي حين يذكر منهجه في الاوساط الفنية الجادة فأنه يقترن بأنضج النتائج والمعالجات التي انجزت تاريخيا في هذا المضمار وذلك لان هذا الفنان لم يكن معلما ورائدا للواقعية في المسرح الروسي فحسب وانما ظلت تعاليمه قبلة لفناني العالم اجمع, تتمثل عبقرية هذا المعلم في دروسه التي تعتمد مبدأ الصدق الداخلي والتقمص الحقيقي لدى الممثل داخل فضاء المسرح وتعزيز الحالة السايكلوجية التي تبلغ حد التماهي في تجسيد الشخصية الفنية والتعامل مع الدور ولقد كان لقاء ستانسلافسكي مع المخرج والمؤلف الروسي فلاديمير دانتشنكو له الاثر الكبير في الخروج على الاسلوب التقليدي والخطابي في الاداء لما يعرف بالممثل النجم والذي يحول دون تطوير روح الفريق ,تجارب ستانسلافسكي انصبت على الواقعية ولكن بتصوير جديد بعد ان كانت تعتمد النقل الحرفي , واقعيته في تصوير الحياة لا كما تحدث في الواقع ولكن كما نحس على نحو غائم في احلامنا ورؤانا وفي لحظات سمونا الروحي وقد تطلب ذلك الفهم البحث عن وسائل كفيلة بالنهوض بفن الممثل والبحث عن تقنيات جديدة لخلق ممثلين بتوعية مختلفة و تقنية لاتوصل الممثل الى هدف من الناحية الشعورية فحسب وانما صياغة هذا الشعور داخل فضاء الخشبة عن طريق بناء الشخصية بشكل منهجي بالاعتماد على اسلوبية الكاتب في النص وتحليل موضوعاتها الرئيسة وافكارها واجواءها منبها الى ان هذه التقنية هي وسيلة وليست غرضا بحد ذاتها وسيلة لتحرير الروح وخلق الصور المدركة للحياة وأي ان عنصر الخلق في المسرح هو امتزاج العناصر النفسية والجسمية وان الفن الحقيقي هو الاتحاد بين الجوهر العميق للتجربة الداخلية والتعبير عنها خارجيا وان التوعية التعبيرية للتمثيل تعتمد هذا الاتحاد , في كتابه القيم( اعداد الممثل ) يتحدث المعلم ستانسلافسكي عن الممثل قائلا ( ان عمل الممثل يبنى على قاعدة عضوية لقوانين الطبيعة ) ويواصل حديثه في نفس التوجه ( على الممثل ان يبحث عن امر واحد وهو الا يجير الطبيعة وان لا يحطم قوانين الحياة العضوية العادية ) اي ان الفن بلا تصنع هو ما ينبغي ان نقدمه وهو الهدف وقد قسم هذا المعلم الممثلين الى طبقات وفقا للمعايير التالية :
ممثلون بمواهب ينتظرون الوحي وهؤلاء من منحتهم الطبيعة قدرة تخيلية جيدة ولكنهم لا يولون اهمية للبحث والدراسة والتي من شأنها ان تعزز مواهبهم انهم يتشبثون بفكرة مفادها ان الموهوب لايحتاج الى اي تقنية مطلقا وانما فطرته هي التي تقوده للطريق الصحيح , يرى ستانسلافسكي ان هذه الطبقة من الممثلين هي التي بحاجة الى تقنية اكثر من غيرها وحول ايمانهم بالوحي يعلق المعلم بقوله( الانسان لا يستطيع ان يبدع ويبتكر عن طريق اللاوعي والالهام دائما ولا توجد في العالم كله عبقرية من هذا النوع ) , فننا يعلمنا قبل كل شيء كيف نبدع بطريقة واعية سليمة لان هذا الاسلوب سوف يمهد الطريق لازدهار اللاوعي الذي هو الالهام فكلما ازدادت لحظة الابداع الواعي والممثل يؤدي دوره ازدادت امامه الفرص لفيض من الالهام هؤلاء الممثلون يعتمدون على الصدفة التي لا تأتي الا في لحظات نادرة ولا يمكن ان تكون الصدفة دليل عمل الممثل او بديلا ابداعيا لما ينبغي ان يمتلكه من تجاوب جسماني ومرونة صوتية وشعورية ومعرفة بقوانين التقنية لترسيخ الاتجاه الواعي نحو الالهام ( اذ ان المريض لايتحسن بمجرد قراءته الوصفة الطبية بل لكي يتحسن يجب ان يأخذ العلاج بأنتظام ) ,على الطرف النقيض من هؤلاء يقف الممثلون الذين يمتلكون التعامل مع التقنية ولكن لا يتمتعون بمواهب حقيقية او انهم انصاف موهوبين لا تتجاوز ابداعاتهم التخطيط الالي للحركة وصياغة المشاعر على مهارات شخصية لاتقترب من روح الفن بقدر قربها من روح الصنائعية والكلائشية ولذا نجد عطاءاتهم مزخرفة بالتدقيقات الشكلية او في الا ستنساخ الخارجي للشخصيات وفي هذا الصدد يتحدث ستانسلافسكي فيقول ( هناك فرق بين موهبة المقلد الهزلي وبين الممثل بمعنى ان الاول يمتلك القدرة على التقاط الصفات الخارجية المتميزة عند الاخرين وانه يعيد انتاجها بوضوح ولكن هذا ليس دليلا على انه يمتلك هذه المقدرة التي يتميز بها الممثل حين يقود هذه الخاصية نحو الابداع العضوي الحي ) , ان التقنية الادائية مشروطة بتطورية ملحوظة في النفسية وطبيعة الممثل الجسدية وهذا التطور الشرطي ينبغي ان ينطلق من العناصر التكوينية للحدث المسرحي ويرتبط معها بفاعلية لان مهمة الممثل تتجلى في سيطرته على هذه العناصر العضوية لينسج حياة الروح البشرية في الدور على نحو فني كما يؤكد هذا المعلم في ملاحظاته التربوية ( لكي تربي الممثل ليصبح فنانا لايكفي ان تسلحه فقط بالتقنية وتلقنه طرائق الفن انما ينبغي ان تحسن تربيته بوصفه انسانا وان تساعده على ان يشكل شخصيته المتكاملة وان تعزز من مواقفه الجمالية والتقدمية بوصفه مواطنا ). وللحديث عن فن الممثل في القسم الثاني حسب توصيف المعلم ستانسلافسكي لنا تتمة.