TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لو غاب القضاة ...

لو غاب القضاة ...

نشر في: 5 أغسطس, 2013: 10:01 م

وقف المتهم امام قاضي التحقيق مسترخيا وهو يطلب منه الاسراع في استجوابه لأنه متعب ويريد العودة الى الزنزانة ..استغرب القاضي والحضور اسلوب المتهم وحاول القاضي استنفار كل مالديه من هدوء اعصاب وحكمة ليرد عليه ، وامام اصرار المتهم على لامبالاته ، شعر القاضي بانه امام رجل ( مسنود ) ولأن الجهات التي تسند هكذا متهمين في العراق خطيرة الى درجة يصعب المساس بها حتى ولو من قبل رجل قضاء فقد اختار القاضي ان يشرع في القاء اسئلته المعتادة على المتهم واذا كان معترفا بالجرائم المسجلة امامه فكان الجواب بالايجاب وبلهجة لامبالية ايضا .." هو مسنود فعلا اذن "...ايقن القاضي ذلك وامر باعادته الى زنزانته ..كان هناك من بين الحضور من تزامنت قضية شقيقه مع هذا المتهم لذا واصل السؤال عنه في مركز الشرطة وبطريقة غير مباشرة ، فعلم من قبل احد رجال الشرطة ان هذا المتهم الذي اعترف بارتكاب عدة جرائم خطيرة خرج قبل ايام بكفالة مالية !!
ومتهم آخر وقف امام قاض ليحكم في قضيته ففوجئ بأنه نفس المتهم الذي سبق له ان حكم عليه بالاعدام قبل فترة –وهذا يعني انه لم يرضخ لتنفيذ الحكم رغم كونه واحدا من اخطر مجرمي الارهاب لكنه مازال في كل الاحوال حيا يرزق وهناك يد اعلى من يد القضاء خططت لإخراجه من سجنه والمرجح ان الوسيلة هي المال الذي بات مفتاحا سحريا لكل مشاكل الزمن الحالي .
تطفر الى الذهن في مثل هذه الاحوال مقولة المفكر الفرنسي "روسو" حين وصف فساد القضاء في اي بلد بانه نهاية لذلك البلد ، لكن القضاء في العراق ومهما كان نزيها لن يقدر على مواجهة الفساد في الحكومة ومراكز الشرطة اذ ان المكافأة تزداد حجما حسب حجم الجريمة .
لادخل للقضاء اذن بتغيير مصائرالمتهمين لأن الصفقات تتم في اروقة مراكز الشرطة اومقرات الاحزاب وتتحكم بها اياد (طوال) جدا بعد قراءة الحكم القضائي ..رغم ذلك يدفع القضاة ضريبة نزاهتهم وسعيهم الجاد للقضاء على الارهاب والجريمة في بلد ينتشر العفن في تلافيف رأسه وفساد الرأس يفسد الجسد كله ، فبعد استشهاد العديد من القضاة من مختلف المناشئ والمحافظات على ايدي الارهابيين يبشرهم القاضي جعفر الموسوي قبل ايام في حديثه لاحدى القنوات الفضائية بان الهدف الاول لدى الارهابيين الهاربين من سجني ابي غريب والتاجي مؤخرا هو تصفية القضاة الذين حكموا عليهم بالسجن او الاعدام.
سيكون على كل قاض لم يخالف ضميره في الحكم على ارهابي ان يخصص مكانا لصورته بين صور الشهداء من القضاة كما فعل المحقق القضائي الشهيد احمد ابراهيم الجميلي من منطقة الكرمة في الانبار بعد ان استشهد جميع افراد عائلته في انفجار اذ وضع صورهم على جدار مكتبه تاركا لنفسه مكانا بينهم لأنه كان يتعامل يوميا مع الارهاب بضمير يقظ ويدرك جيدا ان يومه آت لامحالة وبالفعل لم يبق مكان صورته شاغرا بعد استشهاده، لكن مكانه ومكان عشرات القضاة العراقيين الشرفاء سيبقى شاغرا مادام راس السمكة عفنا والعفن منتشر في جسد البلد كله ليس بسبب فساد القضاء كما قال "روسو" بل بسبب غياب الضمير في اسلوب ادارة البلد وحين يغيب الضمير في بلد ما يصبح الطغيان سيدا والظلم حاكما ويفقد الاكثرية اصواتهم في بلد اصيب حكامه بالصمم والعمى عن حقوق الشعب وظلت ألسنتهم فقط تطلق التصريحات الخالية من الضمير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. مهندس احمد الزيدي

    اصبت الهدف في الصميم

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram