جلال حسن مهما اختلفت أساليب وانواع طرق التسول، تبقى مقرونة بالخداع والمخاتلة والكذب والاستعطاف، انها ظاهرة ممقوتة يتخذها بعض الناس مهنة بالممارسة ،ولا شعوريا ينقادون لمزاولتها، وهي نتيجة للفقروضيق الحال، تفاقمت اكثر من ذي قبل، وتعددت اشكالها وصورها الغريبة والعجيبة.
ولم يخلُ أي شارع من الذين احترفوا الاستجداء، ولا تتطلب هذه المهنة سوى ملابس رثة، ووجه حزين، وصوت يردد عبارات تمس شغاف القلب بالدعاء والرزق الوفيروالعافية وطول العمر والتوفيق، ترتب بعناية لتستفز المشاعرورهافة القلوب، ما يجعل الناس يمدون أيديهم إلى جيوبهم لا إراديا ليتصدقوا بالنقود. فلا تستغرب ابدا حين تصادفك فتاة جميلة بعمرالزهور، وتلبس احلى الثياب لتستوقفك بأدب جمّ، وتطلب منك مبلغا من المال لأن محفظة نقودها ضاعت في زحمة السيارات. وهناك صديقة لها تقف على مقربة منها تمارس نفس الفعل. هذا ما يحدث يوميا في كراج الباب الشرقي. ويلجأ بعضهم إلى استخدام الاطفال للتسول من خلال توزيعهم على الشوارع، والارصفة، وبين السيارات وعلى اشارات المرور وهم يرتدون ملابس ممزقة، حفاة، ليستجدوا شفقة المارة. واخرون يتسولون بوضع طفل او طفلة رضيعة على الرصيف تكاد تمرض من شدة الحر ،والبكاء لاستدرار عواطف الناس، واخرون ينهالون عليك بالدعاء حال رؤيتك، مؤكدين ان اطفالهم مرضى وجياع في المنزل وينتظرون عودتهم بفارغ الصبر. ويحاول بعض المتسولين احراج الشاب الذي يسير مع حبيبته او خطيبته في شارع ابي نواس بأن يستحلفه بحبه لها أن يعطيه بعض المال خصوصا اذا سمع المتسول ان الحبيب يتحدث لحبيبته بلغة الحب العذري، وبنيوية العشق الكوني.! وبعضهم يفضلون محلات الصاغة وينجحون في إحراج العرسان. ولا تستغرب ابدا حين يظهر لك متسول يبكي بقلب مفجوع ويصف مأساته في المقابر، حاملا صور اطفال بعمرالزهورويقول: ان الجيش الاميركي قتلهم جميعا بدم بارد وبلا اي سبب! وهناك خدعة يقوم بها الاطفال اصبحت معتادة لكثرة تداولها، وهي حمل طبق فيه حلويات يقوم ببعثرتها على الارض، ويبدأ بالصراخ والعويل مدعيا، ان فتيانا سلبوه ما بحوزته، وداسوا حلوياته ونثروها على الارض في مشهد تمثيلي رائع يستوقف المارة، من الذين لا يتوانون عن تعويضه خسارته المادية الكبيرة . وهناك شحاذون اوهموا الناس بأنهم مرضى، فقام احدهم بوضع قطارة التبول داخل ملابسه، مدعيا انه يعاني الفشل الكلوي، أو يحملون ادوية وتقارير طبية ورقائق اشعة، ويدعون انهم بحاجة لاجراء عملية جراحية سريعة لاستدرار العطف واصطياد القلوب الرقيقة. وان بعض المتسولين لا يرضون بالمساعدات العينية، بل يطلبون مبالغ مالية، وانه ليس سهلا التخلص منهم قبل اعطائهم ما يريدون. ويرى البعض ان هذه الظاهرة عبارة عن لصوصية وتنكرية بامتياز، لكنها ستستمر لان اغلب العراقيين عاطفيون، ويعتقدون ان اعطاء مبلغ من المال كصدقة الى الشحاذ، قد تدفع عنهم البلاء في شوارع مليئة بالسيارات المفخخة والعبوات اللاصقة. jalalhasaan@yahoo.com
كلام ابيض : أصول فن التسول
نشر في: 4 نوفمبر, 2009: 06:02 م