رغم تباين المواقف، وتمسك كلّ طرف برؤيته لسبل حل الأزمة المصرية، فإنّ الجهود الدولية والإقليمية تتكثف، بحثاً عن مخرج منها، وفي حين تؤكد السلطات القائمة تمسكها بخارطة الطريق للمستقبل، وترفض أيّ استفتاء حولها، وتنفي الأنباء عن أيّ تسويات محتملة، أونيّة إطلاق المعتقلين من مسؤولي الإخوان، ومنح الجماعة حقائب وزاريّة، فإنّ الإخوان يرفضون أيّ مساومة على عودة مرسي رئيساً، ويؤكّدون أنّهم جزء من التحالف الوطني لدعم الشرعية، ولا يتحرّكون منفردين، والواضح أنّ الطرفين يُصعّدان، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، قبل التوصل إلى التسوية، التي يسعى إليها وسطاء غربيون وعرب، التقوا خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان، الذي أبلغهم أنّ مرسي هو الرئيس الشرعي المنتخب، فيما تعلن الجماعة تعرّضها لضغوط دولية وإقليمية للقبول بعزله، ومُحاولة التعافي والخروج بأقل الخسائر.
تقف جهود الوساطة عند مُنعطف حاسم، مع سعي الحكم المؤقت إلى استنفاد محاولات الحل السياسي، قبل اللجوء إلى القوة، لفضّ اعتصام أنصار الرئيس المعزول، وهو يقع اليوم بين مطرقة القوى السياسية والشبابية، الرافضة لأيّ تسوية تضمن الخروج الآمن لقادة الإخوان، والمُطالبة بضرورة تقديمهم للمحاكمة ومُحاسبتهم، بعد تورّطهم في إراقة دماء المصريين، وسندان الإخوان الذين يرفضون علناً قبول حقيقة إنّ مرسي لن يعود إلى رئاسة مصر، ومع إدراكهم استحالة ذلك، فإنهم يفتشون عن صيغة قانونية تحفظ ماء الوجه، يترك على أساسها الحكم، وتُمكّنهم من البقاء في المشهد السياسي مستقبلاً.
لا يتوقف الأمر عند الوساطات الخارجية، فهناك حراك داخلي، تمثّل بلقاء الداعية محمد حسان بالسيسي، ولقيت هذه الوساطة دعماً واضحاً من الجماعة الإسلامية ، التي ثمّن جهود هؤلاء العلماء، لكنّها أكدت عدم رؤيتها حلاً للأزمة، إلاّ في إطار عودة الشرعية الدستورية، وبارك حزب النور السلفي هذه الجهود، التي تستهدف المصالحة الوطنية، حيث تنصب على بناء الثقة بين الأطراف، للوصول إلى تفاهم سياسي، يشهد في مرحلته الأولى، الاتفاق على بدء تفاوض مباشر بين السلطة القائمة والإخوان، على ألاّ يشمل ذلك فتح الباب أمام عودة مرسي، أو دستور 2012، في حين تسعى مشيخة قطر، للحصول على ثمن سياسي تقدمه للإخوان، مُقابل فض الاعتصام.
يظن الإخوان أنّ التحركات بمجملها دليلٌ على فشل السيسي، ويُصرّون أنّ الحل لن يكون إلا بعودة مرسي، ليُشرف على أيّ خارطة طريق، وفي حين تُسيطر حالة الانقسام، وتُطاول حدود التهديد باشتعال حرب أهلية، فإنّ الأمل ما زال قائماً، بالوصول إلى حل سلمي تدريجي، يُجنب القوات المسلحة الحرج الدولي، ويُلبي بعض مطالب الإخوان، وبما يمنع الانزلاق إلى مستنقع شبيه بما يجري في سوريا، لكنّ عُمق الأزمة وتمسك الطرفين بمواقفهما، يشير إلى أنّ التوصل للحل المنشود ما زال بعيداً، فالسُلطة الجديدة ترفض العودة إلى الوراء، والإخوان يتمسكون بعودة مرسي كمُقدمة لأيّ حل، قد يتضمن عودته إلى منصبه، مع الإبقاء على حكومة الببلاوي، والدعوة لانتخابات برلمانية خلال شهرين، وأن يتولى البرلمان الجديد تشكيل الحكومة، وتعديل الدستور، يلي ذلك انتخابات رئاسية خلال ثلاثة أشهر، والإفراج فوراً عن كل من تم اعتقالهم سياسياً عقب تدخل الجيش.
دوام الحال من المُحال، ومصر بحاجة ماسة إلى هدوء، يبدأ بانسحاب الجماهير من الشوارع والميادين، ويمنح العُقلاء فرصة التفكّر والتدبّر، للحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، والتفرغ لبناء مستقبل أفضل، بدل التناحر على السُلطة، التي لو دامت للغير، لما وصلت للمتصارعين عليها.
مصر.. أيّ أفق للحل
[post-views]
نشر في: 6 أغسطس, 2013: 10:01 م