تعبت أصابعنا من الكتابة، وفقدت مفرداتها عن حكامنا، لكثـرة تكرارها ولويها، أي معنى لها متداولاً بين الناس . وحقّ لمريدي السلطة والموالين للحاكم بأمره ان يُشبعونا تقريعاً ولوماً وشتماً يليق بهم على كتاباتنا التي لا موضوع لها سوى صورة السلطان في تحولا
تعبت أصابعنا من الكتابة، وفقدت مفرداتها عن حكامنا، لكثـرة تكرارها ولويها، أي معنى لها متداولاً بين الناس . وحقّ لمريدي السلطة والموالين للحاكم بأمره ان يُشبعونا تقريعاً ولوماً وشتماً يليق بهم على كتاباتنا التي لا موضوع لها سوى صورة السلطان في تحولاتها، ومآثره في إنتاج الفجيعة والتردي والخراب .
بهتت المعاني وفقدت صلاحيتها في التقويم، حتى وان شاءت ان تعالج قضايا "عرضية"، مثل استشهاد بضعة مئات كل يوم، او هروب مئات القتلة من الإرهابيين المدججين بالمفخخات والكواتم يترصّدوننا بها في كل مكان .
لا أثر أو تأثير لأي قول أو نقد او نصيحة على ما يمكن تلمُّسه من القائمين على السلطة، ولا من ولاة الأمر من المعنيين بتقويمها او تغييرها، او بتطمين المواطنين بالإعلان ان التمسك بالأمل " تميمة " لم تفقد صلاحيتها بعد ، وانها في حال من التحرك الجاد لوضع حدٍ لما يرون فيه مأزقاً وانحداراً بالبلاد الى ما لا تحمد عقباه .
ان من لا يرى حطام الخرائب التي تسببها السياسة القائمة على الانفراد والتسلط والاستهتار بمقدرات هذا العراق المسلوب الإرادة، وهي متناثرة تصيبنا مقتلاً أنّى اتجهنا ، لابد انه مصاب بالعمى السياسي او مجروح الشهادة لعلّةٍ فيه، أو متلبس بالفساد او التواطؤ، او استهلاك الضمير ، وهو يمارس شهادة زور لصالح فريقٍ سياسي فقد الشرعية الأخلاقية ، على مدار اليوم.
ويستوي في هذا من لا يسمع ومن لا يرى . فقد ضجَّ المواطنون من كل الأطياف والمِلَل بالشكوى من البلاء الذي هم فيه، وصار الواحد منهم لا يعرف الى من يتوجه طلباً للتدخل او إبداء العون بعد ان فقد الثقة وبات اقرب الى الاستسلام الفاجع.
لم تعد الصحافة ووسائل الإعلام بكل تلاوينها والمقالات والأعمدة والتحقيقات اليومية، تخلو من التعرّض للمشهد السياسي والأمني المثير للقلق. وهي كلها، الموالية للحاكم او المعارضة، تشدد على ان الأزمة التي تواجهها البلاد دخلت منعطفاً خطيراً، وان عواقبها لن توفِّر طرفاً في العملية السياسية، ان لم تشكل تهديداً مباشراً لما تبقى من الدولة المنخورة الفاشلة. ومع وضوح اللوحة السياسية وما حولها وفيها مما يشكل جوهر التهديد، فإن الحاكم وفريقه، واخيراً انضم اليه حزبه، لا يرى في ذلك ما يجعله يشعر بالحرج وينقل اليه عدوى قلق الجميع، ليبادر بالإقدام على أية خطوة، او إجراء او تدبير احترازي يوحي بانه يتفكّر بالأمر، وهو في سبيله الى ما قد يخفف من الاحتقان، ويُجبر خواطر الآخرين، ويُرمِّم بعض مواضع الشك في نفوسهم منه ومن نهجه وسياساته ، بإعلانه، ولو على سبيل كسب الوقت او اللعب في الوقت الضائع، تفهم ما يتحسّسونهُ من أخطار ، واستعداده للبحث في أسباب التدهور والانفلات الأمني وتآكل العملية السياسية وانحرافها عن مسارها الديمقراطي.
وما فعله المالكي حتى الآن ، وما زاد عليه فريقه والموالون له من الخارجين على طاعة أحزابهم وكتلهم، هو الإصرار على مواصلة نهجه وسياسته التي نجحت منذ توليه الحكم، في الانقضاض على القليل الذي امكن تحقيقه سابقاً، على صعيد لَمِّ الشمل المرتبك بين الفرقاء، وما تبقى من الاستقرار الأمني المتضعضع، والنتيجة هي تخريب الاصطفاف الوطني وإعادة دق اسفين بين المكونات المجتمعية، والإمعان في دفع بعضها الى خيارات خارج إطار العمل المشترك، وتمكين القاعدة والمنظمات الإرهابية المتحالفة معها من إيجاد ملاذٍ آمن وخطوط تواصل وإمداد في الأوساط التي أصابها اليأس والإحباط من إمكانية الاستجابة لمطالبها المشروعة. ويخطئ من يظن ان ذلك يتم عن رضا من هذه الأوساط او كلها، بل على كراهة منها وبدواعي اللامبالاة. وهو ما يُبقي الخطوط مفتوحة لاستعادة الاتصال والتلاقي بحثا في تجاوز الاحتقان والأزمة .
ان التشبث بالأوهام والتعامي عن رؤية الأوضاع المتردية، كما هي عليه في الواقع، لن يخفف او يبدد القلق، وليس في إمكان القوى المعنية بسلوك الفريق الحاكم، وإن كان بعضها على خلافٍ معه، ان تحافظ على مصداقيتها وقدرتها على التأثير، واستطاعتها القيام بدور البديل او لَم القوى، اذا لم تبادر الى اطلاق مشروع وطني قادر على إشاعة مناخات الثقة العميقة بين جميع القوى والجماعات الوطنية المؤمنة والمتمسكة بالمسار الديمقراطي، المشاركة في البرلمان او المقصيَّة عنه، وإعادة اصطفافٍ يعزل أي طرفٍ يحول دون ذلك، او يضع نفسه في مواجهتها، سواء تمثّل ذلك في مواصلة النهج المغاير في السلطة السياسية، او باعتماد وسائل لا تمت بصلة الى الخيار الديمقراطي، ويشجع على الاحتكام الى السلاح والمواجهة.
ومع ان العمى السياسي وحوار الطرشان ، هما سيِّدا الموقف حتى الآن، فان التشبث بالأمل لا يدخل في خانة "اللعب في الوقت الضائع". اللهمَّ احفظ وطناً أولياء أمره طرشان ..!
جميع التعليقات 3
علي العراقي
الهم امين ...امين ....امين ...ويحفظ ويحفظ كل صوت امين امثال فخري كريم وانشاء الله ماتتعب وصوتك يعلو ويعلو وتعلو بك المدى وكل عام ومدانا بالف خير ونبقى نصرخ حتى يسمع الطرشان واف تحية ...والله مقالاتك متنفس همومنا وسلوتنا وماتبقى في هذه الظروف العجاف ....
فلاح الساعدي
نعم ياسيدي الكريم فقد بُح صوتك واصوات الكثيرين والحقيقه ان الانتخابات القادمه سوف تاتي بنفس النماذج ،لان سياسيين اليوم عرفو وسبرو اغوار العراقيين ووجدوهم شعب ممزق بالطائفيه حتى النخاع وشعباً يعاني من الاميه فصوتك انت يافخري كريم يساوي صوب عبود ابو الشر
محمد سعيد العضب
سؤال لابد ان يطرح... من هي القوي التي تستطيع ان تتبني مشروع وطني يشيع مناخ الثقه لبناء دوله مدنيه وحديثه ؟ حيث ان اصحاب النفوذ والهيمنه هي مجرد قوي وجماعات وشلل غير مؤمنه اصلا بالديمقراطيه, وظل همها الاول والاخير ... تحقيق طموحتها الذاتيه