TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العيد مع المتنبي

العيد مع المتنبي

نشر في: 12 أغسطس, 2013: 10:01 م

قضينا العيد ونحن نُردد "عيدٌ بأيّة حال عُدت ياعيد"، قالها المُتنبي في هجاء كافور، ونُردّدها في هجو كلّ "كافوراتنا"، ومعهم الزمان الذي ابتلانا بهم، على امتداد أرض الأمة، عربيةً كانت أو إسلامية، بمعنى سادها الفكر القومجي أو الإسلاموي، فكلاهُما من نفس الطينة، التي لايصح معها المثل القائل، "من طين بلادك حُط عخدادك"، فطين بلادنا اليوم ممتزجٌ بالدم والأشلاء، وخدودنا تمزّقت لكثرة ما لطمنا.
مضى رمضان.. وجاء العيد..، لم نُهلّل فرحاً، فالوضع البائس الذي نعيش تفاصيله، قادرٌ على سرقة أيّة محاولة للفرح ، فالعراق الخارج من تحت دلف حكم صدام الدكتاتوري، إلى مزراب حكومات المحاصصة الطائفية، يتخبّط في مستنقع إرهاب، يحصد يومياً مئات الأرواح، في ظلّ فلتان أمني يُذكرنا بشريعة الغاب، والطائفية بأبشع صورها البغيضة، تفرد أجنحتها على بلاد الرافدين.
في سوريا بردى يصطبغ بالأحمر القاني، مع 4500 قتيل خلال رمضان، وقاسيون يُطأطئ رأسه خجلاً، وبيادر حوران تحترق بحسرتها، مواطنون يفقدون أرواحهم ومستقبل وطنهم، نظامٌ متسلطٌ لايؤمن بأيّ حق للشعب، والإرهابيون يتدفقون إليها من أربع جهات الأرض، فتفقد الثورة سمتها كحركة وطنية لتلبس ثوب الإرهاب، والغيبيات تتصدر المشهد.
مصر أم الدنيا يتوقّف نيلها عن الجريان، وأبو الهول يتحول إلى قط أليف، الإخوان المسلمون يحتلون بعض الميادين، ويستعيدون مجد سلاح المنجنيق، ويلفّون الأطفال بالأكفان، ويقدمونهم مشاريع "شهداء" لرئيسهم في السجن، والحشود المتضادة تفرض نفسها على حياة المصريين، فينقسم الشعب المصري إلى فريقين، أحدهما مع الحرية، والثاني مع مرسي وإخوانه، والاقتصاد المُنهك أصلاً يتهاوى، والبلاد في طريق مفتوح على المجهول.
لبنان على شفا حفرة، سياسيّوه يناورون بحثاً عن مصالحهم الشخصية، أسواقه خاليةٌ من المتبضعين، وفنادقه بلا سيّاح، وأكثر من نصف مليون لاجئ سوري، يُشكّلون عبئاً على كل الخدمات المتردية أصلاً، يعيش منذ شهور في ظلّ حكومة تصريف أعمال، والحزب إيّاه يُهيمن على تفاصيل حياة اللبنانيين بقوة السلاح، وهو كأنّه ليس دولة مستقلة، وينتظر نتائج ما يجري عند الجيران.
تونس الخضراء لم تعد كذلك، التظاهرات المناوئة للإسلام السياسي تجوب الشوارع، وكاتم الصوت سيّد الموقف، والمستهدفون دائماً وطنيون يساريون، الجماهير ترفض الحكومة، والتأسيسي عاجز عن إنجاز الدستور، والإسلام السياسي يناور على وقع الأحداث في مصر، وحياة الناس معطلةٌ وبائسة.
في ليبيا سقطت جماهيرية العقيد، لتخضع الصحراء الليبية لحكم القاعدة، وأمراء الحرب يُحرّكون مفاصل الدولة، وتهريب السلاح وظيفة مجزية، والداعون إلى التقسيم يملكون الصوت الأعلى، والناس في حيرة من أمرهم، حين يسمعون أنّ بعض الضباط يسعون لاستنساخ تجربة القذافي.
الغلاء يطحن حياة الأردنيين، والأسعار تواصل ارتفاعها الجنوني، والأمن الذي كان ميزة لهذ البلد، لم يعد كذلك، مع تفلّت المواطنين، الذين يقطعون الطرقات الدولية، إذا اعتقل ابن عشيرة لخروجه على القانون، ومجلس النواب يتخبّط، بين تبنّي شعارات لامنطق فيها، وعجز عن إنجاز مهمته التشريعية، وتكالب على مصالح أعضائه، باعتبارها فوق مصلحة الوطن والمواطنين.
بلد المليون شهيد بدون رئيس فاعل، بعد أن أفقدت جلطة على الدماغ بوتفليقه الكثير من قواه، وبات أسير كرسي بعجلات، والصراع محتدم بين مؤسسته العسكرية وحزبه الحاكم، على من يكون الرئيس القادم.
السودان بعد انفصال جنوبه في دولة مستقلة، يُنازع لتجنب المزيد من الانفصالات، وبشيره متمسك بالسلطة مهما انكمشت، يُلوّح بعصاه في وجوه البؤساء، ويتستر بالدين، في حين تتراخى قبضته العسكرية على المناطق المتمردة، ويظل سيّداً على الخرطوم.
أمّا فلسطين فلا بواكي لها.. ولعلّها العُنوان الأوضح لبيت المتنبي، عيد بأية حال عدت ياعيد؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram