كان الانطباع الذي نحمله عن حزب الدعوة في أيام المعارضة مختلفا تماما عنه اليوم. فالمثقفون العراقيون من اليساريين والعلمانيين، وأقصد من هم في بريطانيا بالتحديد، لم يكن لهم أي موقف مضاد من الدعوة. شخصيا، ومثلي كثيرون من العلمانيين، حضرت وشاهدت وشاركت في أنشطة ثقافية وحتى سياسية كان ينظمها حزب الدعوة كتلك التي كان يقيمها في مؤسسة "دار الإسلام" التابعة له، مثلا. وبالمقابل كان هناك أفراد كثيرون من هذا الحزب يساهمون في الأنشطة التي يحييها الليبراليون والعلمانيون. كانوا يحضرون الحفلات الغنائية والفنية التي يقيمها بلندن الحزب الشيوعي العراقي بمناسبات مثل ذكرى تأسيسه.الأمثلة على ذلك كثيرة جدا، وسأكتفي بذكر جريدة "المؤتمر" اللندنية، التي وإن كانت تابعة لأحمد الجلبي لكن رئيس تحريرها من كوادر حزب الدعوة وسكرتير التحرير شاعر شيوعي،وكانت صفحاتها مفتوحة أمام الكتاب من شتى "المشارب". عدا عن ذلك كان الحزب يحظى باحترامنا لما قدمه من تضحيات كبيرة في زمن النظام الفاشي الذي لا يتردد في اتهام كل مصلّ أو ملتح من الشيعة بانه من حزب الدعوة ويعدمه.
مؤلم ومحزن جدا ان "يشخبط" حزب كل تلك الصفحات من تاريخه بعد ان تربّع على عرش السلطة بالعراق. لم يمر بحسباني يوما ان أجده يصاب بالغرور والتعالي متأثرا بزعيمها الذي فشل فشلا ذريعا في إرساء أبسط قواعد بناء الدولة، وأخص منها المؤسسات الأمنية والخدمية. أضف لذلك استماتته في البقاء على كرسيه بطريقة لا أظن ان حاكما إسلاميا في العصر الحديث قد سبقه إليها.
قبل يومين أو ثلاثة، وبينما البلد يختنق برائحة الحرائق والدم، طلع حزب الدعوة علينا بتصريح لا يليق أبدا بتاريخه الذي عرفناه. يقول الحزب: "لولا مواقفنا كاد العراق أن يقع في حرب طائفية مدمرة". لا أدري عن أي مواقف يتحدث. ليته يدلنا على موقف عملي واحد من تلك المواقف. هل يتصور جماعة الدعوة ان قول زعيمهم يوم خاطب المتظاهرين السنة ان انتهوا قبل ان تنهوا، وانكم مجرد فقاعة، هو الذي جنب البلاد شر الحرب الأهلية؟ ان كانوا يظنون كذلك فعليهم ان لا يراجعوا أنفسهم فقط بل ويراجعوا طبيبا نفسانيا أيضا.
الذي أنقذ العراق من الحرب الأهلية هم ناسه وليس انتم يا حزب دعوة ما بعد السلطة. إن الفضل الأول والأخير لهذا الشعب الذي تمسك بوطنيته ولم ينجح الإرهابيون في جره للحرب وأنتم يا قادة الحزب، وليس أنصاره بالطبع، خاتلون في دولة الخضراء ترعاكم الخادمات وتحرسكم الدبابات والمدرعات. أما أنتم، فمثلما قلت لرئيس دولتكم يوما "ما يطلعلك" ان تطالب الناس ليصبحوا مشاريع للاستشهاد وأنت قابع في بيتك، أقول لكم: ما يطلعلكم ان تدّعوا ما ليس فيكم. فلو قالتها المرجعية، لقلت: نعم وألف نعم. ولو قالها عبد الملك السعدي لقلت، وهل يخفى القمر؟ ولو قالها أبطال الصحوة، لقلت: والنعم. ولو قالها مقتدى الصدر، لقلت له من ينكر ذلك يكذب على نفسه. ولو قالها الكتاب والمثقفون والإعلاميون المتحررون من وباء الطائفية، لقلت: صدقتم.
فلولا هؤلاء، وقبلهم الشعب، وليس لولاكم لاحترق آخر خيط أمل لخلاص العراق من نار الحرب الطائفية.
لولا الشعب وليس لولاكم
[post-views]
نشر في: 13 أغسطس, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
المدقق
انكريزي حاقد وستبقى كذلك .. اقول لك نعم لولا حزب الدعوة وتحديدا المالكي لكانت هي حرب طائفية بامتياز واليك الدلائل .. من وقع على اعدام صدام حين جبن الكل ؟ من حارب المليشيات من جيش المهدي وغيرها في البصرة ؟ من حارب القاعدة والميليشيات في المنطقة الغربية ؟ م