خمسون سنة مرت منذ ان كانت تلك السيدة تعيش عصرها الذهبي كملهمة للشعراء الكبار ..تبدأ قصة تلك المرأة في نهاياتها ،ففي حجرة مفروشة فقيرة وباردة ، تعيش مولي اولغود حيث المكان المظلم القذر يثير الرعشة في البدن وتضاعف من وحشته ومضات البرق الخاطفة وآثار الم
خمسون سنة مرت منذ ان كانت تلك السيدة تعيش عصرها الذهبي كملهمة للشعراء الكبار ..
تبدأ قصة تلك المرأة في نهاياتها ،ففي حجرة مفروشة فقيرة وباردة ، تعيش مولي اولغود حيث المكان المظلم القذر يثير الرعشة في البدن وتضاعف من وحشته ومضات البرق الخاطفة وآثار المستأجر السابق الذي توفي فيه.
رغم ذلك يمكن ان تشعر بوجود تلك السيدة الطيبة ضئيلة الجسم ذات الخمسة والستين عاما الثملة غالبا وهي تعيش الوحدة والفقر وتتحدث الى المطر والأرصفة والكلاب السائبة ..
انها ليست مجنونة ولا فنانة بل ملهمة للشعراء الكبار في الزمن الجميل الماضي ، ففي عام 1900 ، احبها الى درجة العشق واحد من عباقرة عصره وهو الايرلندي جون ميلنغتون سينج مؤلف (متشرد من العالم الغربي ) والذي كتب لها رسائل عشق ملتهبة يمكن مقارنتها بفن بجماليون في روعتها قال فيها انه يحترق شوقا اليها ورغبة فيها ..
خمسون سنة مرت على ذلك العصر ومازالت مولي تذرع الخطى بالقرب من مسرح آبي بعد ان كانت تزور المسارح مدعوة من قبل الكاتب دبليو بي ييتس ..انها تشبه الان ظلا لماض لن يعود لدرجة ان أقاربها عدوها متشردة ونسي اغلبهم جولاتها الرائعة في الولايات المتحدة مع عشاقها وظلها الموجود في اغلب اعمالهم التي كتبوا بعضها خصيصا لأجلها ..
في كتاب " الملهمة " الذي صدر مؤخرا عن دار فيبوس الفرنسية للنشر في 278 صفحة للكاتب الايرلندي جوزيف اوكونور يمكن ان نعثر على شخصيتين لمولي ، الاولى شابة ومشرقة والثانية عجوز ظريفة وذات مزاج روحي ..
وفي هذه الرواية يروي اوكونور احداث يوم في حياة مولي في عام 1952 ،حيث تعيش وحيدة تحت رحمة الجوع الذي تكتمه لتحافظ على كرامتها برغم انها تتسول طوال النهار لتحصل على ما تسد به رمقها وما تشرب به ما ينسيها ماضيها الجميل يرافقها امل واحد بان الحياة ربما ستكون اقل خشونة وقسوة في اليوم التالي !
وترى مولي ان " العالم ليس مجزرة يقاد فيه الانسان الى الذبح بل فرصة لممارسة لعبة الحياة "، ويبدو ان هذه الفكرة هي التي تمدها بالشجاعة فضلا عن ذكرياتها التي تجتاحها طوال اليوم وعبرها يمكن ان نرى لقاءها الاول مع المتشرد سينج بردائه الخشن وكيف فتن بصوتها منذ لقائه الاول بها برغم ما يتخلله من نبرة خشنة ثم ملاحقة المؤلف لهما في جولاتهما الساحرة في تلال ويكلو حيث يجسدان ثنائيا حقيقيا لولا وجود كثير من الأشياء التي تفرقهم في الواقع كظروفهما الاجتماعية اذ كان سينج رجلا نبيلا رغم محاولته العيش ببوهيمية ..وتتذكر مولي باستمرار وفاة رفيقها الكاتب المسرحي مبكرا وكيف تعرفت بعده على عدد من المشاهير الذين جعلوا من حياتها حفنة من الذكريات السعيدة والأليمة في آن واحد ..
واذا كان الكاتب اوكونور قد تجنب ذكر الاحداث والتواريخ والاماكن فلأجل ان يتمكن من الاقتراب من حالة من الغموض المليئة بالالغاز والتي تحيط عادة بقصص الحب الخالدة ..
لهذا السبب لا يمكن اعتبار رواية ( الملهمة ) تاريخية المحتوى بل هي أشبه بسمفونية من العشق والذكريات الحزينة القادمة من خلف أسوار ماض لن يعود ..