TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كربلاء الغاضبة على دولة القانون

كربلاء الغاضبة على دولة القانون

نشر في: 14 أغسطس, 2013: 10:01 م

كتلة رئيس مجلس الوزراء كانت تصرخ وتستغيث وتعترض لحظة إقرار الصلاحيات الجديدة للمحافظات في البرلمان قبل شهرين، لكن الأحداث تقول إن حلفاء المالكي في المحافظات، صاروا ينقسمون بشدة حول نهجه في الحكم. وأن قيادات مهمة بدأت تتحرك لتقول: كفى أخطاء. وهذا امر بالغ الأهمية لمحاولة تخيلنا ما يجري في كواليس السلطان، حتى لو ظل تحركا واعتراضا محدودا  في كربلاء.
وأثناء إعداد الحوار الذي أجريته مع رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني ونشرته المدى في عدد الأربعاء، كنت أسأل: ألا تشعرون بأننا أنفقنا وقتا في النزاع على اللامركزية، اكثر من الوقت الذي خصصناه لفهمها؟ والاستفهام كان ينطوي على إلقاء اللوم على النخبة التي لم تقم بما يكفي لتوضيح هذا المبدأ الإداري المتقدم الذي جاء في روح الدستور، والنتيجة أننا بقينا خاضعين لمركزية مهلهلة أضاعت فرصا كثيرة من البصرة حتى الموصل. إلا ان السيد نيجيرفان وهو من أسرة فكرت ألف مرة خلال مئة عام، بصيغ الإدارة ونهج الحكم، يقول لي ببرودة أعصاب: "إنها المرحلة الانتقالية أيها الناس، لابد ان تأخذ وقتا، ولا خيار إلا ان نصبر على الموظفين التقليديين في بغداد، ونتيح للطبقة السياسية ان تأخذ وقتها أيضا، والجمهور نفسه بحاجة إلى مزيد من الخبرة ليبلور تصوراته، فقد خرجنا من نظام بوليسي صارم لم يسمح بأية تساؤلات سياسية كبيرة، وفجأة كان علينا ان نتخذ قرارات كبيرة، ولا شك أننا سنرتكب".
ولذلك فإن رئيس حكومة أربيل يحاول تذكيري بأن التقبل السياسي لمبدأ اللامركزية اصبح اكثر حظا اليوم، مما كان عليه قبل خمس أو ست سنوات. والدليل على كلامه السجال والقرارات التي شهدها مجلس محافظة كربلاء صباح الثلاثاء، بشأن الملف الأمني.
محافظ كربلاء الأستاذ عقيل الطريحي وهو محام من دولة القانون وقد شغل لسنوات منصب مفتش الداخلية، ورئيس مجلسها السيد نصيف الخطابي من دولة القانون أيضا، وكلاهما سجل اعتراضات نهار الثلاثاء على طريقة فريق المالكي في إدارة ملف الأمن، ولم يكتفيا بذلك بل اتخذا قرارات "ثورية" تحصل للمرة الأولى في الحكومات المحلية. ونتج عن ذلك إلغاء حظر التجوال الليلي في المحافظة، وأمر الجيش بأن ينتقل إلى خارج المناطق المأهولة بالسكان، إلى جانب تقليص نقاط التفتيش التي قال الطريحي إنها لا تنتج شيئا سوى تعقيد حركة الأهالي، بينما الحرب على الإرهاب تتطلب زيادة عناصر الاستخبارات ورصد الحركات المشبوهة العنفية. أيضا فإن الكربلائيين تخلصوا من جهاز كشف المتفجرات الكاذب، واصبحوا بذلك أول محافظة تقوم باعتماد الصلاحيات الأمنية الجديدة التي منحها البرلمان للمحافظات، وأثارت جنون الشيخ خالد العطية، وجعلته يقول ان "المحافظات لا تمتلك كفاءات، وهي بحاجة إلى وصاية من فريق السلطان الزاخر بالكفاءات"!
نظرية المالكي في إدارة الملفات الكبيرة تسقط، حتى بين حلفائه. لأنها بدأت تحرق بيوت الجميع، سواء كانوا من دولة القانون أم من معارضيها، وربما سنشهد خلال الأسابيع المقبلة، المزيد من الاعتراضات الداخلية على الأسلوب المتعنت في إدارة الدولة، الذي قد يدافع عنه حسن السنيد حتى آخر لحظة، لكن عقيل الطريحي ونصيف الخطابي يجدان الأسباب الكافية لرفضه في كربلاء.
إن أسوأ لحظة يواجهها الساسة هي تلك التي تشهد نهاية الإيمان بنهجهم، داخل فريقهم السياسي. وما حصل في كربلاء يمنحنا مادة لتخيل ما يدور من اعتراضات داخل كتلة المالكي، على سياساته التي لم يعد ممكنا الدفاع عنها. تخيلوا فحسب وأنتم تستمعون لحديث الطريحي والخطابي عن طريقة إدارة الأمن التي يعتمدها فريق السلطان، كم قياديا في كتلة المالكي يمتلك اعتراضات كاعتراضاتنا، لأن مصالحه ومستقبله يتعرضان لقمار سياسي رهيب يأخذنا جميعا إلى حافة الهاوية؟
إنه الوقت وحسب، ذلك الذي يتحدث عنه نيجيرفان بارزاني،  الذي سيسمح برسم تحولات عميقة في تصورنا السياسي، وسيمنحنا فرصة الانتقال لنظام إدارة حديث لا مركزي، مثل كل الدول المحترمة، وهو ما يجعل أمثالي يتمسكون بأمل أن نتعلم ونتدرب رغم دخان المعارك وسيول الدم. إنني سعيد بكربلاء حقا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. س ج

    لعلك متفايل اكثر من اللازم اولا لن ينفع الكلام فهو جهد زايد كنت اسمعت لو ،،، ثانيا مادام التدافع قايما فلن تقوم لنا قايمة ، لا انتقالية لم نتجاوزها بعد عشر سنوات وغيرنا في امريكا اللاتينية والارجنتين وغيرهما تجاوزها بمدة قصيرة المشكلة اننا نبدا من حيث بد

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram