يتميّز مشروب الليمون بالنعناع، بخلطه عنصرين مُختلفين في تأثيرهما، فالليمون لوحده شرابٌ مُنشّط، بينما النعناع مُهدّئ، وفي خلطهما كما ساد في مُسلسل العرّاف، خلط للتناقضات يُوصّف حال مصر، قبل وأثناء وبعد إطاحة نظام مبارك.
الشخصية الرئيسة التي أدّاها عادل إمام، هي شخصية رجل شديد الطيبة، كان وجد نفسه طفلاً في الشارع، بدون أي وثيقة تثبت نسبه، فقام بتزوير بطاقة شخصيّة، للتخلص من تساؤلات الشرطة عن هويّته، وحين نجح أعجبته اللعبة، فبدأ مشواره مع تزوير البطاقات الشخصية وانتحال الشخصيات، بين محام مشهور، إلى لواء في مباحث الأموال العامة، إلى طبيب جراح، وتاجر انتيكات وصاحب بازار سياحي، وهو في كلّ الشخصيات التي انتحلها، يحظى بجمع من المؤمنين بقدراته الخارقة.
ويكشف العمل الفني، المعروض في رمضان على أكثر من فضائيّة، أنّ الرجل كان مزواجاً، وخلّف من كل شخصية انتحلها ابناً له، واحد ينتمي للجماعات الدينية الجهادية، وآخر نصاب ومحتال، وضابط شرطة محترف، وواحد يظن نفسه يساريا ثوريا، وابنة وحيدة وبسيطة، وبما يجمع في العائلة المفرقة تباينات المجتمع المصري، فيما يتعرض عبد الحميد البكري، الاسم الأساسي للشخصية التي أداها عادل إمام، للمطاردة طيلة المسلسل من لواء شرطة متقاعد، كان قبض عليه قبل ثلاثين عاماً، ويعود للخدمة ليقبض عليه.
يتبدّى البعد السياسي للمسلسل، في القرار المفاجئ للعرّاف، بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية، عقب فراره من السجن، الذي تعرّض للهجوم من قبل ملثمين، هنا اتهام لحماس بتحرير المساجين، ثم يدخل مع جماهير ميدان التحرير، وهنا تقفز إلى واجهة المشهد صورة محمد مرسي، تلتف حوله الجماهير، فيمسي على قاب قوسين من الموقع، لولا تدخّل (الدولة العميقة)، التي تفاوضه على الانسحاب والمنفى الاختياري، مقابل مبلغ مالي، ما يُعيد إلى الواجهة أحمد شفيق في حكاية المنفى، وكان قبل ذلك تعرّض لمحاولة اغتيال غامضة، في تلميح لمحاولة اغتيال اللواء عمر سليمان، حين يعلم أولاده بمقايضته ترشحه بالمال، يقررون البراءة منه، فيعود من حيث ابتدأ عند صديقه القديم والحشاش (مسعد)، يشكو له عقوق أبنائه، ويطلب منه نفس حشيش، فيستغرب منه ذلك، كونه لم يسبق له تعاطي هذا المخدر، فيرد عليه بحزن "ماعادش فيه حاجة جادة في البلد يا مسعد، كُلّه بقى هلس".
بعدها يعلم أبناؤه بموته فيدفنوا جثته، لكنّ زوجة إبنه الضابط، تكتشف أنّه ما زال حياً، وقد انتحل صفة داعية، يحمل اسم صديقه الحشاش، الذي دُفن على أساس أنّه البكري، وحين يعلم أبناؤه يقررون مُسامحته، لكنّهم في الطريق إليه، يكتشفون أنّه بشخصيته الجديدة، تمكّن من سرقة خزائن البنك المركزي المصري، وهو سيظهر بعد ذلك، مُحاولاً خداع مجموعة من المستثمرين، ببناء تلفريك في الموقع الذي يصطاد فيه ضابط الأمن، الذي اعتقله أكثر من مرة السمك، وحين يسمعه يُقهقه في تعبير عن أن لا شيء سيوقف حال الاحتيال، وسيواصل هذا المحتال طلب الليمون بالنعناع، لمن يرغب بخداعهم، تعبيراً عن استمرار حالة التخبط، وعدم وضوح الرؤية، عند كل المصريين، المحتاجين لهذا المشروب الملتبس الهوية، ليتمكّنوا من تجاوز واقعهم المر.
السؤال اليوم، كم شربتم من أكواب الليمون بالنعناع، من أيدي ساستكم المهرة في اللعب بكل الأوراق المُحرّمة، ابتداءً من ورق اللعب الموزع في العراق، عند دخول القوات الأميركية، هل تتذكّرونه، أم تواصلون شرب الليمون بالنعناع؟.
العراقيون والبُعد السياسي في العرّاف
[post-views]
نشر في: 14 أغسطس, 2013: 10:01 م