قبل انجلاء دخان التفجير الإرهابي في ضاحية بيروت الجنوبية، تتالت الإدانات لتشمل كافة أطياف العمل السياسي في لبنان، وتوجّهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل، باعتبارها المستفيد الأكبر، في حين اعتبر البعض أنها رسالة إلى حزب الله، للخروج من أوحال المستنقع السوري، ووجدها فرصة لتذكيره، بأنّ تدخله العسكري السافر في سوريا هو الدافع للتفجير، ودعوته للتفتيش عن الجوامع المشتركة مع اللبنانيين، والاقتناع بأنّ الدولة اللبنانية وحدها، هي المسؤولة عن زمام الأمور على الأرض، بما في ذلك كل أشكال الأمن الذاتي والتعبئة المذهبية، وسارع البعض للدعوة إلى خطوات سياسية، تُحلحل كلّ المواضيع الشائكة، وتُعزز السلم الأهلي، وتقطع الطريق على كل من يسعى للعبث بحياة اللبنانيين واملاكهم.
بعض الساسة اللبنانيين وجدها فرصةً للدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة، والذهاب إلى طاولة حوار، وإعلان الوفاق بين اللبنانيين، وزيادة منسوب التفاهم بينهم، وذلك خشية أن تسود لغة المُكابرة، وإطلاق التهم على الآخرين والتخوين، ولمنع إسرائيل من الاستفادة من الحادثة، باعتبار أنّ مصلحتها تكمن في اقتتال اللبنانيين، وأن الرد الوحيد المفيد هو تحصين المجتمع اللبناني ضد أيّ مُستهدف لأمن لبنان، كل ذلك جرى بسرعة الخائف من ردود الفعل، وقبل أن يتهم حسن نصر الله "جماعات تكفيرية مرتبطة باسرائيل"، بالوقوف وراء التفجير الذي خلّف أكثر من عشرين قتيلاً وثلاثمائة جريح.
شيخ الحزب ردّ على هذه الدعوات، فشدّد أنّ حزبه يُقاتل الجماعات المسلحة التكفيرية في سوريا، وأنّ أحد ردوده على أيّ تفجير من هذا النوع، هو مضاعفة تواجده العسكري المؤيد لنظام الأسد على الأرض السورية، وأنّه إذا احتاجت المعركة مع "الإرهابيين" أن يذهب وكُل حزب الله إلى سوريا، فإنّه سيذهب، وهنا تبرز بوضوح نبرة التحدي التي حذّر منها البعض، وإن كان حاول أن يكون الرد سياسيّا، وبعيداّ عن التعبئة الطائفية، غير أنّ المؤكد أن نصر الله لم يكن يملك خياراً غير اللجوء إليها، ليؤكد صوابيّة مواقفه، حتّى وإن نتج عنها تفجير إرهابي، كالذي ضرب معقله ومُربّعه الأمني في الضاحية.
تبنّي سرايا أم المؤمنين عائشة للتفجير، وبثّها رسالة فيديو إلى حسن نصر الله، هدّدته بالمزيد ودعت الشعب اللبناني للابتعاد عن "المستعمرات الإيرانية في بيروت وخارجها"، أعاد إلى الذاكرة فيديو أبو العدس الذي تبنّى فيه مجهول عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري، ليتبيّن لاحقاً أن الأمر كُلّه مُفبرك، ويستهدف صرف الأنظار عن المجرم الحقيقي، وأنّ هناك محاولة لخلط الأوراق، تستهدف تعميق الفرز الطائفي، باعتباره الوصفة الأمثل لتفجير لبنان، وإلحاقه بالدول المؤهلة لدخول نادي الفاشلين في المنطقة، وما أكثرها، وأشد قابليتها لذلك.
دان المجتمع الدولي الجريمة، لكنه اعتبرها نتيجة حتميّة لانخراط حزب الله في الأزمة السورية، ودعمه لنظام الأسد، ودعا بيان لأعضاء مجلس الأمن إلى ضرورة ملاحقة المسؤولين عن "العمل الشنيع"، وداخلياً أدخلت الجريمة اللبنانيين في حالة غير مسبوقة من القلق على مصيرهم، مع استمرار انسداد الأفق أمام البحث عن مخرج سياسي ينقذ بلدهم، بعدما بلغ الانقسام الحاد ذروته، وتفاقم انكشافه سياسياً، ليبلغ مرحلة الانكشاف الأمني، الذي يدفع باتجاه المزيد من التأزم الداخلي، ويجعل من وطن الأرز رهينة لكل الاحتمالات، والمؤسف أنه بالرغم من تضامن أهل السياسة الكامل مع أهالي الضحايا، فانّ ذلك لم يصل حد إطلاق مبادرات خلاّقة، تُمهّد لحلول جذرية لأزمات البلاد، وتمنع الفتنة الطائفيّة من الانتقال إلى مواقع جديدة.
تفجير الضاحية أم تفجير لبنان؟
[post-views]
نشر في: 17 أغسطس, 2013: 10:01 م