اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > قضايا جنائية..القتل بالبولونيوم المشع

قضايا جنائية..القتل بالبولونيوم المشع

نشر في: 18 أغسطس, 2013: 10:01 م

كان المنشق الروسي (أليكساندر ليتفينينكو) عميلاً سابقاً لدى الاستخبارات الروسية، ثم صار مناهضاً لها، وانتهى به الأمر لاجئاً سياسياً في بريطانيا، وقام بفضح ممارسات غير قانونية تتعلق بالاستخبارات الروسية، وأصدر في بريطانيا اثنين من أشهر كتبه. وقد مرض بص

كان المنشق الروسي (أليكساندر ليتفينينكو) عميلاً سابقاً لدى الاستخبارات الروسية، ثم صار مناهضاً لها، وانتهى به الأمر لاجئاً سياسياً في بريطانيا، وقام بفضح ممارسات غير قانونية تتعلق بالاستخبارات الروسية، وأصدر في بريطانيا اثنين من أشهر كتبه. وقد مرض بصورة مفاجئة في الأول من نوفمبر من عام 2006م، وأدخل إلى المستشفى للعلاج، وتوفي بعد ثلاثة أسابيع بتاريخ 23 نوفمبر 2006م، ثم تبيّن لاحقاً أن السبب وراء مرضه وموته التسمم الإشعاعي بمادة البولونيوم، وأسفرت التحقيقات عن أن التسمم كان مدبراً بفعل خصومه السياسيين في الاتحاد السوفييتي للتخلص منه، وبهذا صار أول حالة اغتيال مؤكدة بواسطة تلك المادة المشعة شديدة السمية .
أدى موت (ليتفينينكو) البالغ من العمر ثلاثة وأربعين عاماً إلى أزمة سياسية بين حكومتي بريطانيا وروسيا، وأشارت أصابع الاتهام إلى الاستخبارات الروسية، وبالتحديد إلى ضابط روسي سابق تابع لقوات الحماية الاتحادية يدعى (أندري لوجوفوي)، كان التقى بالقتيل قبل ثلاثة أسابيع من وفاته وتناول معه الشاي، وما لبث أن ظهرت عليه أعراض التعرض للإشعاع، فتساقط شعره وأصيب بفشل كبدي وفشل في نخاعه العظمي. وتولت شرطة سكوتلانديارد تتبع آثار ذلك الجاسوس (لوجوفوي) فوجدت أنه خلَّف وراءه أثراً مشعاً في الأماكن التي مر بها في طريق عودته إلى روسيا، ولم يخضع للتحقيقات، لأن السلطات الروسية رفضت تسليمه بالرغم من الطلبات المتكررة التي تقدمت بها بريطانيا بحجة تمتعه بالحماية لكونه عضواً في البرلمان الروسي (الدوما) .
لو لم تكتشف تفاصيل اغتيال (ليتفينينكو) لما ثارت الشكوك حول احتمال اغتيال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالطريقة نفسها قبل سنتين من هذه الواقعة. تقرير قناة (الجزيرة) جاء بعد حوالي ثماني سنوات من وفاة ياسر عرفات، وقد خلص الخبراء السويسريون وعلى رأسهم البروفيسور (باتريس مونجو) رئيس الطب الشرعي بجامعة لوزان، الذي أعرفه جيداً، والبروفيسور (فرنسوا بوشو) مدير معهد الإشعاع الفيزيائي في لوزان إلى أن بعض مقتنيات الزعيم الراحل الشخصية وملابسه التي كانت عليه قبيل وفاته ملوثة بمادة البولونيوم، وكذلك بعض شعيرات من رأسه عثر عليها في قلنسوة كان يلبسها وقت موته، وبقعة دم وبقع بول على بعض من ملابسه الداخلية أثبتت تحاليل البصمة الوراثية أنها تعود إلى الراحل عرفات. كما صرَّح الأخير بأن هذه المادة لا تتوفر إلاّ للجهات التي تهتم بتصنيع واستخدام الأسلحة النووية .
أما الأطباء الذين باشروا علاج عرفات؛ سواء في فلسطين أم مصر أم فرنسا، فلم يحدد أي منهم علة المرض الذي أصاب عرفات وأدى إلى تدهور صحته بتلك السرعة ثم وفاته، عدا أنه أصيب بمرض في الدم. وفي حقيقة الأمر لا يمكن لوم أي منهم على أنه لم يرسل عينات حيوية من جسمه إلى معهد أبحاث الإشعاع الفيزيائي لتحليلها والوقوف على السبب الحقيقي لمرضه، فذلك أمر لا تشمله الشكوك في الأحوال الاعتيادية التي يقابلها الأطباء عبر نشاطهم الروتيني في التشخيص والعلاج .
عنصر (البولونيوم) المشع موجود في خام (اليورانيوم) الذي اكتشفته السيدة (كوري) عام 1898م، وهو مصدر لأشعة (ألفا) المستخدمة في البحوث الطبية والمركبات الفضائية، وهو نادر الوجود، حيث يقدَّر إنتاجه في العالم بأقل من 100 جرام سنوياً، وتحظى روسيا بالنصيب الأكبر من هذا الإنتاج القليل .
ويكفي تناول كمية ضئيلة من مادة البولونيوم عبر الفم أو الاستنشاق لإحداث أعراض التسمم والموت، وهو قابل للذوبان وبهذا يسهل دسَّه للضحية من جهة، ويسهل امتصاصه من الجهاز الهضمي من ناحية أخرى .
لا يستغرب على الإسرائيليين أي نوع من الاغتيالات، ولعل عملية اغتيال القائد الميداني في منظمة حماس (محمود المبحوح) في دبي توكيد على أساليبهم في التخلص من غرمائهم؛ إلاّ أن ما ذهبت إليه وسائل الإعلام من تأكيد أن عرفات توفي مقتولاً بسُمِّ البولونيوم أمر سابق لأوانه، فلا يمكن الجزم بذلك قبل أن يستخرج جثمان عرفات من قبره وتحليل عينات من الرفات وإثبات أن التلوث الإشعاعي كان مصدره مادة البولونيوم وأن تلك المادة قد تناولها في طعامه أو حقنت في جسمه، واستبعاد أن يكون منشأها تلوث طبيعي من البيئة المحيطة. كما أن على العلماء المختصين إثبات أن كمية الإشعاع الراهن يدل على جرعة سامة منذ ثماني سنوات، وذلك يمكن تتبعه رجعياً على اعتبار أن نسبة فقدان الإشعاع مع مرور الزمن معروف لتلك المادة .
المروجون لنظرية المؤامرة يتساءلون لماذا قام المستشفى الذي كان عرفات يعالج به بالتخلص من عينات الدم التي كانت لديه، إلاّ أنني أرى ذلك أمراً معتاداً، فليس ثمة مختبر في مستشفى علاجي يحتفظ بعينات دماء المرضى أكثر من بضعة أسابيع، ناهيك عن ثماني سنوات.
لست معنياً هنا بمناقشة الأمر من الناحية السياسية، ولا بنظرية المؤامرة بصفة عامة، ولكنني وددت أن ألقي الضوء على المسألة من جانب علمي محض .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram