الصحفي الراحل عباس الحديدي رحمه الله يوم كان مسؤولًا عن قسم المحليات في احدى الصحف اليومية ، عرف بين زملائه ، بأنه صاحب تعليقات ساخرة في التعامل مع المواد غير الصالحة للنشر ، وفي كثير من الأحيان تكون قاسية ، عندما يبدي اعتراضه على مادة لا تصلح للنشر فيقول مخاطباً كاتبها بطرح سؤاله الشهير :" هل كتبت ملحمة الإلياذة " ، ومواد صفحة المحليات في ذلك الوقت مع وجود استثناءات ، لا تتعدى تغطية نشاطات المسؤولين ، في افتتاح جدارية ، ومساعدة الأُسر المتعففة بمنحها "قوطية" دهن من نوع الراعي ، وحضور تجمع جماهيري ، لتجديد عهد الوفاء والولاء .
الصحفي "كاتب الإلياذة" لطالما عبر عن رفضه لهيمنة سلطة الراحل الحديدي باللجوء الى مدير التحرير ، وعرض شكواه عسى ان يجد حيزاً في الصفحة لنشر الخبر، لاعتقاده بانه مهم ، ويهم أبناء ناحية العكيكة في محافظة ذي قار بوضع حجر الأساس من قبل أمين سر قيادة الفرع لافتتاح مشروع اروائي ، سيسهم في توفير المياه لزراعة الحنطة والشعير وزيادة الإنتاج، كسراً للحصار الجائر ، وبعد مداولات ومناقشة بين مدير التحرير ومسؤول الصفحة الحديدي ، يوافق الأخير على نشر مقطع صغير من "ملحمة الإلياذة" في زاوية من أخبار المحافظات .
زملاء الراحل الحديدي من العاملين في صفحة المحليات ، اعتادوا على تعليقاته ، حتى أصبحت "الإلياذة" قولاً شائعاً ومتداولاً في الجريدة في إشارة الى نوع من المواد ، تندرج من وجهة نظرهم ضمن اطار الدعاية لمسؤول حكومي او حزبي، اعتاد مكتبه الإعلامي اعتماد مراسلي الصحف المحلية وقتذاك لتغطية نشاطاته .
نظرية الراحل الحديدي الذي فارق الحياة نهاية عقد التسعينات لإصابته بمرض عضال ، تصلح هذه الأيام للتطبيق ، والتعليق على تصريحات المسؤولين والقادة السياسيين وأعضاء مجلس النواب كافة وبلا استثناء ، فالجميع يعتقد بانه صاحب "ملحمة الإلياذة العراقية" عندما تؤكد بعض الأطراف بان الأيام المقبلة ستشهد تطوراً ملحوظاً في تحسين إدارة الملف الأمني ، باعتماد خطط جديدة بتفعيل الجهد الاستخباري، وتنفيذ عمليات استباقية لإحباط مخططات الجماعات الإرهابية ، فيما يعلن طرف اخر ان ملامح المستقبل الزاهر للشعب العراقي لاحت في الأفق ، لان الشركات الأجنبية أخذت تتسابق وتتنافس لإقامة مشاريعها في العراق، للقضاء على أزمة السكن وحل مشكلة الكهرباء.
يستمر سرد فصول الملحمة على لسان اكثر من مصدر لرواية أحداثها ، ومنهم من حمل" الربابة" واخذ يجوب الأزقة والأحياء خارج المنطقة الخضراء ، ليغني أمام أبواب المنازل "من كصيد البادية" ليحفز السامعين على المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة ، لاختيار خير من يمثلهم في مجلس النواب المقبل ، وحينذاك يسدل الستار على المشهد الأخير من " الإلياذة " بنسختها العراقية ، ويبقى تعليق الراحل الحديدي الساخر من كاتبها خير شاهد على حقيقتها المؤلمة .
إلياذة" المسؤول"
[post-views]
نشر في: 19 أغسطس, 2013: 10:01 م