صديقٌ قديم عثرت عليه في "أزقة تويتر" بالصدفة، حدثني عن شجون وشجون يطلع عليها بحكم عمله قريبا من بعض صانعي القرار. وأخطر ما تحدث عنه، هو ذلك القلق الذي يسود مراكز القوى على الامن. وما زاد الترقب حدة هو ان القائد العام منهمك هذه الايام بالتجهيز للانتخابات، وهو يتوعد مساعديه ويتهمهم بأنهم "قصروا كثيراً" في التبشير بحملته الخاسرة في الانتخابات الاخيرة، اذ طالبهم ببذل جهد استثنائي يفضح امام الشعب "حقيقة مشروع منافسيه" لكي يحذر الناخب ولا يصوت الا لدولة القانون. وهذه مهمة عسيرة بعد ان فقد المالكي هيئة الاجتثاث وصارت بحوزة خصومه المتحالفين، الذين اذاقوه المرارة وهم ينجحون في صناعة القرارات داخل البرلمان، ويقومون بتطويقه في مجالات ومناطق حساسة.
المهم ان الصديق القديم ينقل مخاوف مسؤولين كبار، ناتجة عن انهماك المالكي في ملف الانتخابات، وإهماله ملف الامن، ويقال انه اوكل الاشراف على مكافحة التفخيخ والاجرام، لبعض "خواصه المقربين".
وأخشى ما اخشاه، ان يفعل سلطاننا كما فعل بعض محافظيه السابقين في مدينة جنوبية، حين قام زعيم الحكومة المحلية تلك بتعيين فتى غرّ بسيط وبلا خبرة لم يبلغ من العمر الثلاثين، مسؤولا عن "الملف الاقليمي" والتجارة البينية مع ايران والسعودية، ما انتهى بحزمة كوارث، واستدعى سخرية كبيرة لدى الجانبين السعودي والايراني، من "صبيان" ارض السواد الذين باتوا يتلاعبون بمصير البلاد.
ولأنها "شؤون صبيان" فإن القاعدة تتفوق علينا في "سباق تسلح" يبدو حقيقياً، بعد ان ثبت امتلاك تنظيم الموت لسرب طائرات بلا طيار، بينما نتوسل نحن واشنطن كي تقرضنا او تعيرنا او تؤجر لنا، بعضاً من هذه المعدات لنحاول رؤية انفسنا "من فوق".
فقد نقلت وكالة محلية اثق بمحرريها، ان قواتنا المسلحة عثرت بالصدفة، على ٤ طائرات مسيرة بلا طيار، ومزودة بكاميرات تجسس تصنعها القاعدة في ورش تصليح السيارات داخل الموصل.
ومن الممكن في ضوء هذه المعلومة، ان القاعدة استخدمت فعلا امثال هذه الطائرات خلال الشهور الماضية، وربما زودتها بنواظير ليلية ومعدات حديثة لم يعد الحصول عليها صعباً في هذا الزمان. بينما استعصى على دولة الموازنات المليارية، ان تحصل على مثلها.
وليس غريباً ان يخسر "تدبير الصبيان" الجولة مع القاعدة في "سباق التسلح" هذا، ذلك ان صبيانية سياساتنا جعلتنا عاجزين عن الايسر من هذا، فقد اتحنا لتنظيم الموت ان يفخخ العجلات مجهولة المالك، لان سياراتنا ظلت بلا ترقيم اصولي، تباع وتشترى بأرقام مؤقتة عمرها عشر سنوات. بل ان بطاقاتنا الشخصية يسهل تزويرها ويجري التلاعب بها في مختلف العقود والمعاملات، كما يشكو القائمون على هذه الشؤون والشجون. وقد فشل المالكي والشهرستاني في اصلاح الكهرباء بسبب غفلتهم عن نوع الوقود الغازي الذي تتطلبه محطات اشتريناها بثروة طائلة، لكن ارقام مركباتنا او بطاقاتنا الشخصية، لا تحتاج الى احتياطي غاز ولا ديزل، ولا تقدم عذراً لمعتذر، الا اذا كان "تدبير الصبيان" ذاته، يرى في بقاء الفوضى حكمة دفينة وسراً رفيعاً، يستحق ان نقدم كل هذه التسهيلات لتنظيم القاعدة، وجعله يحول دولتنا الى مسجل للموتى، بعد ان فشلت في تسجيل المركبات حتى بالطريقة الصومالية.
ولأن "الصبيان" بلا حسيب ولا رقيب، حين يديرون علاقاتنا الاقليمية وشؤون تجارتنا البينية مع طهران والرياض، وحين يخسرون "سباق التسلح" مع القاعدة، فلن استغرب خلال الايام المقبلة، اي خبر يفيد بأن قواتنا الامنية اكتشفت، وبالصدفة ايضا، ان لدى القاعدة جهاز استخبارات حديث يتفوق على ٦ وكالات استخبارية ننفق عليها من الذهب والفضة ما يكسر بالفؤوس، وإلا فما الذي يفسر كل الهزائم التي نتجرعها كل ساعة؟ ولم يبق لدينا الا ان نتضرع لكل الآلهة التي احترمها العراقيون طوال عشرة آلاف سنة، كي لا تمتلك القاعدة، طائرة بطيار، فلن نعثر عليها ساعتئذ الا وهي تحلق فوق "ما لذّ وطاب" من الاهداف الحيوية التي يخاف عليها الاخ حسن السنيد.
لقد كتب الرحالة ابن جبير الاندلسي قبل ٩ قرون في رحلته الشهيرة، واصفاً بغضب، سوء ما حل بدار السلام وانعدام تدبير سلاطينها حين زارنا قبل مجيء هولاكو بسبعين سنة "لولا ورع ابن الجوزي وفصاحته، ولطف فقيه الخراسانية ومواعظه وتقواه، لخسف الله الأرض بأهل بغداد". ترى ماذا كان سيكتب ابن الجوزي لو زارنا اليوم، ووجد الحاكم بأمره يتفنن في العجز، مع جليل الامور وحقيرها؟