بألم ممضّ .. بوجع مبرح يُزهق الروح .. بشعور بالغ بالقهر، وبفم ملآن بالدم، أعترف، انا الذي كان لي شرف معارضة نظام صدام حسين لأكثر من ربع قرن .. معارضته بضراوة لم تَعرف المهادنة يوماً برغم الإغراءات المادية التي قدمها النظام لكي أسكت، مجرد السكوت، وبرغم الاضطهاد المتواصل والمتفاقم الذي تعرضت له عائلتي بعد فراري سرّاً الى المنفى، من اعتقال وتعذيب وملاحقة وتضييق ومحاربة في الأرزاق، حتى الوالد والوالدة كانت لهما حصة فيها.. أعترف بانني كنت على خطأ.
لم أخطئ في معارضتي لصدام ونظامه، ببساطة لأن نظام صدام كان يستحق بجدارة أن يعارضه الوطنيون .. كل شرفاء العراق عارضوا صدام، إن في السر أو في العلن، ولم أكن سوى واحد من هؤلاء.. حتى يوم سقوطه قبل عشر سنوات كان نظام صدام أسوأ نظام شهده العراق في تاريخه الطويل.
أعترف بانني أخطأت إذ كتبت في الصحف والمجلات التي عملت فيها خارج الوطن، وإذ قلت في الندوات والمؤتمرات واللقاءات التلفزيونية والاذاعية، ان النظام الذي تشكّل بعد 9 نيسان 2003 سيكون أحسن من نظام صدام .. أعترف بانني اخطأت في دفاعي المستميت عن هذه الفكرة، فيومها لم أكن أتخيل ان العراق سيشهد نظاماً سيئاً كنظام صدام.
أعترف، وانا بكامل قواي العقلية والجسمية، أنني كنت قاصر الإدراك في هذا، فلدينا الآن حكومة تتنافس مع نظام صدام في السوء.. أقول هذا بألم ممضّ للغاية، وأقول بوجع مبرح ان صدام أهدر كرامة العراقيين لكن حكومة السيد نوري المالكي الثانية تكاد تبزّه .. صدام تجاوز على إنسانية العراقيين بيدَ ان الحكومة الحالية تفعل الشيء نفسه واكثر .. صدام انتهك حريات الناس وحقوقهم إلا ان الحكومة القائمة اليوم تتسابق معه في هذا أيضاً.
كان عهد صدام سيئاً ، لكن العراقيين كانوا، مثلا، يعرفون متى تنقطع الكهرباء ومتى تأتي .. وفي عهد صدام السيئ كانت الحصة التموينية أكثر عدداً في مفرداتها وتصل في موعدها .. وفي عهد صدام السيئ كانت المدن أنظف ... في عهد صدام المتوحش لم يوضع الناس أمام خيارين: إما أن ينحشروا في السيارات ساعات لعبور نقاط التفتيش، أو أن يقطعوا الكيلومترات تحت الشمس الحارقة أو المطر الغزيز أو عواصف التراب ليصلوا الى دوائرهم ومراكز أعمالهم وبيوتهم.. وفي عهد صدام المتوحش كان الذي مع النظام مدللاَ، والمعارض مهدور الحقوق والكرامة، والذي لا مع الحكومة ولا مع المعارضة لا أحد يتعرض له في الغالب.. أما اليوم فالجميع مَهدور الكرامة ومُنتهك الحقوق ومُتجاوز على إنسانيته، بنقص الخدمات الأساسية وبعمليات الدهم والاعتقال العشوائية وبالإجراءات الأمنية الفاشلة التي ما نجحت، ولن تنجح، في مكافحة الإرهاب، وهي عقوبة للشعب وليس للإرهابيين .. ويستوي في هذا الهدر في الكرامة وانتهاك الحقوق والتجاوز على الإنسانية معارضو النظام ومؤيدوه وأصحابه ممن ضحوا بالكثير من أجله ، أو بالأحرى من أجل نظام غير سيئ، كنظام صدام.
بموازاة إشاعة كاذبة لفّقتها بعض أوساط الحكومة المذعورة من خيالها قالت بوجود مخطط لمهاجمة المنطقة الخضراء، وُضعت بغداد أمس في حال انحشار قاتلة ووُضع أهل بغداد وزوارها في حال الإهانة السافرة .. أُغلقت شوارع حيوية بين الكرخ والرصافة، واحتجز الناس في معسكر اعتقال حقيقي .. حتى الحيوانات في الزرائب لا يمكن أن تُعامل كما عومل الناس في بغداد أمس.. كان واحداً من أكبر أيام الذل والإهانة وانتهاك الكرامة الإنسانية والاستهتار بالحقوق في تاريخ العراقيين قاطبة.
يوم قيامة بغدادي
[post-views]
نشر في: 19 أغسطس, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 5
خليلو...
ليس ماذكرته في مقالك رايك وحدك وانما راي الملايين من العراقيين الا لكامة لقامة حزب الدعوة وطنطله من الثرثارين الذين يظهرون كل يوم على الشاشات يرشقوننا بكلمات تتطاير من اشداقهم مع الرذاذ يحمدون بذكر ماثر حزبهم وراسه الاجوف.اتذكر نصيحة احد الساسة الع
سحر
اخي الكريم نحييك انت والاخ علي على كتاباتكم المشبعة بمعاناة الشعب والدفاع عنه ولو ان الحكومة لن تلفت اليها وتصحيح اي خطا بل مستمرة في انتهاك الشعب في كل لحظة ونرجو ان ياتي اليوم الذي يقف المواطن بمواجههتها وعدماعادة انتخابها بحجة الدفاع عن المذهب واالطائ
الشمري فاروق
شكرا لك ايها العزيز..لقد اصبت قلب الحقيقه لقد احبطونا من جاؤابعد صدام واقولها بملء الفم ...انهم اكثر سوأ من صدام.. لا بل بيضوا وجه صدام بسوأتهم..اهم مجامييع من الجهلة والاميين واصحاب العقد النفسيه والاجتماعيه انهم يشعرون بالدونيه لانهم جاؤا من قاع الريف
شفاء
الزمن يعود كما الزمن وربما اسوءنحن خرجنا من أنظمة فاسدة سابقة ومن أنظمة عاجزة لاحقة لا اختلاف وليس السبب هم فقط بل الشعب يتحمل الجزء الاكبر من المسؤوليةصدقا لااعرف لما هذا السكوت المطبق لما نحن عاجزين حتى عن ابداء استيائنا
عراقي
لاول مرة اقرأ لعدنان حسين موضوع يعبر عن وجهة نظر الناس وليس جهة سياسية .. هكذا يكون القلم عندما يخدم الناس وليس الاحزاب