اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > حين يموت الفكر على عتبة المكان!

حين يموت الفكر على عتبة المكان!

نشر في: 6 نوفمبر, 2009: 05:14 م

هوشنك الوزيريماذا يحدث حين يُماهى قسراً بين الرأي والمنبر أو يتم المزج/التلابس عمداً بين ما يقترحه الرأي من طرح فكري وبين ما تقترحه هوية المنبر قومياً أو آيديولوجيا فيُلبس الرأي زي المنبر القومي او الايديولوجيً؟ سيُنفى الفكر وتستدعى السياسة على عجل. بهذه الكيفية تحديدا نظر عدد من المثقفين العرب الى زيارة أدونيس الى كردستان العراق وقرؤوا الرأي الذي قاله من هناك.
 يذهب أدونيس الى كردستان العراق فيثير، وهو الذي يتقن أصول فن الاثارة وقواعده، كماً عاصفاً من الإشكالات والآراء في فضاء الثقافة العربية التي تفتقر أصلاً هكذا جدال جوهري يبحث في سؤال موت العربي حضارياً، وفعالية دوره التغييري أو تأثيراته في المشهد الفكري العالمي الراهن. أدونيس الاشكالي، وكعادته دوما، قال ان العرب في طور الانقراض أو انهم أنقرضوا فعلاً. وبدل ان يُحاور فكرياً حول مفهوم الانقراض الحضاري ومعاني الموت الثقافي تم رشقه بالسياسة. ولست هنا في معرض تأويل وبناء قراءة تحليلية لهذه الجملة التي سبق أن أطلقها أدونيس لأكثر من مرة وفي أكثر من مدينة عربية وغربية. وهي الجملة ذاتها التي يرددُ ثيمتها المركزية (الانقراض/الموت) أو سكونية الفكر العربي وعدم قدرته على انتاج تغيير جذري، الكثير من المثقفين العرب من يسارهم الى من يقف على يمين يمينهم، ولكن بصياغات لغوية أكثر بساطة ومهادنة للواقع الاجتماعي السياسي واستخدام مصطلحات من قبيل(استقالة العقل/الانحطاط الفكري/ الظلامية...) وذلك دون ان تثير هذه الاوصاف والمصطلحات أية ردود أو اشكالات انتقادية. فلماذا اذن يثير هذا الرأي الآن كتابات مشحونة بالسياسة والآيديولوجيا تصل حد الغضب السياسي عند البعض بل الاتهام عند آخرين. ولست هنا في معرض الكلام عن هذا الغضب (العربي) أوالاتهامات بقدر ما أود التركيز على العامل التفجيري لهما. تكمن سياسية الكتابات الاحتجاجية التي أعقبت جملة أدونيس في انها لم تقترب من تناول سؤال الموت العربي حضارياً الذي تكلم عنه أدونيس بقدر ما حاولت النيل منه انطلاقاً من وبسبب (المكان /المنبر) الذي صرح منه بموت الامة العربية حضارياً. وهنا تحديداً، أي في هوية المكان الذي هو كردي بامتياز والذي منه رجا وامل أدونيس ألا تصيب العدوى الثقافة الكردية، يكمن جوهر الإشكال في الرؤية لتبدأ مأساة سجال قومي الطابع والروح وذلك عبر تجريد تساؤل الموت من بعده الفلسفي العميق وتحويله أو الاصح حصر أبعاده كلها سطحياً داخل حقول السياسة والآيديولوجيا. وهنا تكمن مأساة العقل الذي لايتردد للحظة في تدشين عملية تسيس مطلقة شاملة في قراءاته للأشياء جميعها. سبق لأدونيس ان قال الرأي ذاته في بيروت ودمشق والقاهرة ومدن عربية اخرى كما وانتقد وبقسوة الحالة الركودية التي تعيشها الثقافة العربية من على منابر باريس ومدن اوروبية اخرى. وهنا يستمد سؤال (فلماذا كل هذا الاحتجاج الآن؟) شرعيته وغرائبيته في آن واحد. من أطلع على الكتابات المنشورة في الصحف وعلى مواقع شبكة انترنت والتي أعترضت على زيارة أدونيس وغضبت من رؤيته ورد أدونيس نفسه على هذه الكتابات والمنشور في صحيفة الحياة، لا يجد صعوبة بالغة في اكتشاف ان كردية المكان الذي قيل منه الرأي وليس الرأي ذاته، تمثل عاملاً أساسياً في اثارة كل هذا الاحتجاج والغضب وقبلهما الاتهام. وهنا على عتبة المكان يموت الفكر لتولد السياسة بكل رخصها وقبحها. فمن خلال قراءة معترضي زيارة ادونيس الى كردستان العراق نكتشف بان الانقراض/ الموت الذي طرحه أدونيس يُعالج ويُناقش سياسياً وليس فكرياً. فعند البعض ان الثقافة العربية ليست ميتة وان العرب لم ينقرضوا والبرهان القاطع على حيوية هذه الثقافة هو مقاومتها للسلطات والمثقفون الذي يقبعون في السجون. لكن الطامة تكمن في عملية التماهي بين الرأي وبين الهوية القومية للمكان الذي انطلق منه الرأي. والتركيز على عامل كردية المكان يمثل دورا مهماً في تسييس عملية الاعتراض وانتاج الخيبة واطلاق الاتهام. فهناك من اتهمه بالتملق للمتعصبين الأكراد ناسياً بان الاكراد ليسوا هم من يقررون من الأحق بجائزة نوبل للآداب. وهناك من كتب حول "فتنة أقليم كردستان العراق" و زيارة أدونيس له "وهو ما زال محتلاً" وتحدث قومي عتيد عن "الحضارة العربية التي قال عنها أدونيس في شمال العراق..." مستنكفاً حتى عن قول كلمة كردستان العراق. وتطرف آخر في وصفه لمكان الزيارة بـ(المحمية الأمريكية) ما يحمل في سياقاته الضمنية اتهامات في غاية الابتذال كالعمالة والخيانة والاتصال بالعدو..الخ لأدونيس.لهذا يبدو الأمر برمته وكانه لايتعلق بما قاله أدونيس بقدر مايتعلق بالمكان الذي قاله فيه والناس الذين قاله بينهم. أقصد الأكراد. وهكذا يتم ارتكاب خطيئة التباس أو تماهي جوهر رأي بالهوية القومية للمنبر/المكان. وبالرغم من ان استاذ عباس بيضون، وهو من المثقفين العرب القلائل الذين لم يؤازروا دولة صدام حسين في حملات الانفال والقمع والقسوة، يُشخص روح الإشكال الاعتراضي حين أشار في مقال له في الملحق الثقافي لجريدة السفير في 15/ 5/ 2009 حول الموضوع الى حساسية بعض المثقفين العرب من ان تقال "كلمة سلبية عن العرب في محضر الأكراد" فهو نفسه يقع في الخطيئة ذاتها حين يقول "ليس بيننا من يع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram