تُغلّف حركة حماس رفضها إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وخشيتها من انكشاف أمرها، بحديث ممجوج ومُكرر ومُمل عن المصالحة الوطنية، بعد أن مزّقت بانقلابها نسيج وحدة الشعب الفلسطيني، وأقامت إمارتها الظلاميّة في قطاع غزة، لتصب اهتمامها على طول اللحى وأزياء الشباب، ثم لتكون عوناً للتنظيم الأم في القاهرة بعد انهياره، فتتحول إلى مصدر لدعم وتسليح "الجهاديين" في سيناء، ضد جيش مصر العظيم، الذي يعج تاريخه بالتضحيات لأجل فلسطين وقضيتها الوطنية، لكنّها اليوم تتمسّح بملف المصالحة، لتؤكد مجدداً لمن لم تتوضح الرؤية بعد أمام ناظريه، دورها التخريبي، ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب، وإنّما على صعيد المنطقة، باعتبارها ذراعاً من أذرع التنظيم الدولي للإخوان المتأسلمين.
حماس ولغرض في نفس يعقوب، تسعى للإيحاء بأن خلافها هو مع حركة فتح بالتحديد، وليس مع السلطة التي تُخطط وتعمل جاهدةً للقفز إلى قيادتها، لكونها تحظى بالاعتراف الدولي، وعلى أمل سرابي بتحول ذلك الاعتراف إليها، والاعتراف المقصود والمطلوب هو الأميركي الأوروبي، وعلى غرار ما حصل في مصر، حين أسبغ الغرب شرعيةً زائفةً على نظام حكم المرشد، وتجاهل إرادة ملايين المصريين الرافضين لتفرده بالسلطة، وترتكب قيادة السلطة خطأ السماح لفتحاويين بالتصريح أنّ الحركة ستتخذ إجراءات وقرارات "مؤلمة" بحق حماس، وأنّ مستقبل قطاع غزة سيدرس بدقة وعناية، في إطار هذه الإجراءات والقرارات.
تعتبر حماس أنّ إجراء انتخابات منفردة في الضفة، يعني ترسيخ الانقسام وشق الصف الوطني، لكنها لاتتقدم خطوة واحدة، باتجاه تمتين الوحدة الوطنية شعباً وأرضاً، وتمنح مناوئيها المتشددين فرصة تنفيذ سيناريو إعلان غزة إقليماً متمرداً، ما يعني أن القطاع سيُقاد نحو كارثة، وسيشدد عليه الحصار بشكل أقوى، وحماس حين تتشدد في مطالبها التعجيزية، تتجاوز النصيحة الثمينة بأن الحوار هو الخيار الأمثل، والسبيل الوحيد لحل القضايا والخلافات السياسية، بين كل الأطراف الفلسطينية، وأنّ الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة، تستدعي تغليب المصلحة الوطنية، والكفّ عن إطلاق المواقف التي تصب الزيت على النار.
يعلم الجميع أن الرئيس محمود عباس يمتلك الحق الدستوري، بالإعلان عن موعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، في الضفة الغربيّة دون قطاع غزة، لكنه يتريّث كثيراً قبل ذلك، لمنع عزل غزة ودفعها نحو الانفصال التام والنهائي، وتحميل شعبها النتائج الكارثية لتعنّت حماس ، ذلك أنّ الظروف الإقليمية لم تعد في صالح الشيوخ الحماسيين، خصوصاً مع الأزمة المصرية، والتوقعات بحصار اقتصادي وسياسي، وقيود كثيرة على القطاع، من قبل النظام المصري الجديد، الذي يُعيد التأكيد يومياً على تورط حماس في العمليات الإرهابية، التي يُنفذها تنظيم الإخوان المنهار، ضدّ الدولة المصرية جيشاً وشعباً ومؤسسات.
حماس تتّهم فتح بدعوة الغزّيين للتمرّد ضدها في القطاع، وتزعم بأن قادة فتحاويين يدعون لحملة ضد الحكومة المُقالة في غزة، تحت عنوان ثورة تمرد لإنهاء حكم حماس، ومع أنّ فتح تنفي، وتعتبر هذه التصريحات غير مُبررة، ومدعاة لإعادة توتير الساحة الوطنية، فإن ذلك بالتأكيد من حق وواجب كل وطني فلسطيني، حريص على مصلحة شعبه وقضيته، في مواجهة واقع الارتهان لأجندات حماس وارتباطاتها الخارجية، واعتبارها مصلحة الإخوان أولوية تتقدم على القضية الفلسطينية، والسلطة وفتح ومنظمة التحرير مدعوون اليوم، لفضح وعزل الانقساميين في الساحة الفلسطينية، ومن واجبهم اتخاذ أفضل الخيارات لتخليص الشعب من هذا الارتهان.
تلعب حماس بالنار، على وقع انهيار حُكم إخوانهم في مصر، فهل تطفئ السلطة هذه النار وتخلص الغزيين من فكرة الإمارة الانفصالية؟ هذا ما يأمله كل وطني فلسطيني.