دنى غالي عينان فضوليتان متحديتان وشيء من طفولة ودلال. نينار اسبر، وجه منحوت المعاني جذاب، يزيد من حدة قسماته شعر اسود كث طويل، وقوام متناسق ناعم بأناقة غير بوهيمية على الاطلاق مع اكسسوارات خشنة بعض الشيء تكمل صورة فنانة عصرية، فردية، من يومنا هذا - الظاهر الذي يدل ايضا على الثقافات المختلفة التي تتحرك خلالها، وباطنها بالطبع ما أن نقترب منها أو من أعمالها.
اختارت نينار طريق الفن وهو صعب، يتطلب صبرا وقوة مادامت تريد تقديمه كما تريد هي، تقول. درست الفنون المختلفة في باريس ومازالت تدرس. هناك ما يوحي، بعد الاطلاع على اعمالها على الانترنيت، انها ستظل فنانة تجريبية، طالما اختارت نفسها محورا لاعمالها التي تمزج فيها بين التصوير والاستعراض والرسم والغناء والموسيقى. اعمالها تدخل في اطار التجريب، في معظمها، بمادتها المتنقلة بمصادرها وتأويلاتها بين الثقافات الغربية والشرقية حيث تظهر تلك الاعمال بحثها شرها وتعقبها دؤوبا جريا لاكتشاف نفسها. نخال هذا البحث لن يكون يوما قاطعا. لعله الشك مرد ذلك، عكس اليقين من الاشياء. الحيرة امام الحقائق والمسلمات والبديهيات المختلفة للبيئات المختلفة المحيطة. للحظة يمكن لمح بعض من ذلك في عملها الفوتوغرافي " فيرتيغو" حيث السؤال هل ترى نفسها الثابتة والمكان يتأرجح من حولها، ام انها هي من تشعر بذلك الدوران ازاء المحيط وثوابته. تلك هي البدايات، في الاسئلة كما المخاوف كما اللعنة وهي تطارد وتتلبس البشر منا، ممن يطلق عليهم ربما بالفنانين أو المبدعين. كانت تتنقل هنا وهناك، تقترب منه او تبتعد لتلتقط له الصورة بعد الاخرى. حضرت نينار مع الشاعر ادونيس في امسية جميلة حميمية اقيمت له في كوبنهاغن بمناسبة قرب صدور كتابه "الكتاب" في ايلول 2008 بالدنماركية، في ترجمة لسليم العبدلي عن دار " اندرسكوون" بالتعاون مع الشاعر الدنماركي اريك ستينوس. وهي المناسبة التي اثارت الحديث حول كتابها الذي صدر بالفرنسية منذ العام 2006 تحت عنوان "حوارات مع ادونيس ... أبي " . وربما اشارت بعض الصحف العربية الى الكتاب في حينها، ولكن خبر صدوره القريب بالعربية عن دار الساقي جعل من مرافقة مؤلفة الكتاب نينار لوالدها مثار فضول من قبل الحضور العربي الذي لم يتسن له قراءة الكتاب بعد، او اطلع على مقتطفات مترجمة منه على الانترنيت. ووفق ما ذكرت نينار فالكتاب قد ترجم إلى اللغة السويدية وهناك اتفاق على صدروه بالإيطالية وسيصدر بالإسبانية، والتركية والإنجليزية ايضا قريبا. لا اظن ان نينار تركت لنا شيئا لنجتهد في قوله او البحث عنه لنقدمها من خلاله بخصوص مشروع كتابها هذا. لاشيء سيأتي منا وسيكون ذا بال غير انطباعاتنا التي ستقبلها او تهملها من غير ان تضيف لها او تأخذ منها شيئا. ذلك انه كتابها، ارادت ان تقول فيه كل شيء عن نفسها ولها، وان غطّت مراحل طويلة من حياة الوالد شاعراً ومثقفاً. لم يكن جوابا على سؤال بل كان حوارا، في عشر جلسات أعدت من خلالها مئة سؤال الى ادونيس، ولكنه ايضا حوار لم يبد معنيا كثيرا بما يقوله الاب، بقدر ما كانت فيه هيمنة للمحاورة، المحاصرة من السائلة بالتطرق لمواضيع فيها من جدة وكشف، من جرأة وتحد، ونبش وإلحاح ونقد ما يستحق الاهتمام. لم يكن مجرد لهو، ولا مجرد تكامل عناصر لإنجاح مشروع وترويجه لصالح أحدهما. كانت فكرة التقرب من والدها الذي لم تتعرف عليه جيدا لغيابه الدائم، اساس مشروعها، تردد ذلك في لقاءاتها حول الكتاب، حتى تكاد توهمنا حقا بأننا نعرفه افضل منها. وهي الفكرة التي ترسم في الوقت ذاته بانفتاح ومن دون تصنع- بعيدا عن مجمل ما قاله من شعر وكتبه من فكر، صورة أب يقول بارتخاء وعطاء انه يفهم جيدا (بشكل او بآخر) ما تريده ابنته، يفهم ما تنتقصه، ما منحه للكتابة ولم يمنحه لها، وهو يذهب معها في مشوارها بكل ما يمكن ان يحمله من تبعات، بل بدا المشروع في حالات اشبه بمحاولة منه لتسديد دين. لدينا كل شيء ولكن نفتقد شيئا حد اللعنة، لا نعرف كيف نحصل عليه. لدينا آباء غير تقليديين، لدينا ابناء، بنات غير تقليديات، لدينا امهات غير تقليديات، لدينا قانوننا الخاص الذي لايعني احدا سوانا، ولدينا العمر والوعي كله وادوات المعرفة كلها ولكنها لا تكفي لنفهم ذواتنا، لربما بسبب عظمة ما نرثه أو ما يحيطنا مما يشوش علينا، لدينا ما لايكفي ان نرسمه ونرّقصه ونغنيه ونكتبه ونصوره وننحته. لدينا ما نود لو نصرخ به - تنفرد نينار بقول كل هذا الخاص والعام معا بإطار ادبي شائق ولها السبق
حوارات مع أبي.. أدونيس
نشر في: 6 نوفمبر, 2009: 05:19 م