TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ثورة الفكاهة في مجلس النواب

ثورة الفكاهة في مجلس النواب

نشر في: 20 أغسطس, 2013: 10:01 م

يبدو أن نوابنا الأعزاء يحبون الحفلات التنكرية، وأن غرامهم بهذه الحفلات طغى على كل شيء، ولهذا وجدنا البعض منهم يكتب سيرة جديدة لحياته بكل ما أوتي من غرام بالتنكر، ففي برنامج قدمته إحدى الفضائيات، اكتشفنا نحن الشعب الناكر للجميل أن النواب الافاضل تركوا أعمالهم التجارية وأمبراطورياتهم المالية ليتفرغوا لخدمة الشعب، فهذه النائبة تتحسر على أيام زمان، لأنها كانت تجني ملايين الدنانير في زمن الحصار من واردات أملاكها ولكنها للأسف لم تكمل حفلة التنكر لتخبرنا لماذا تسكن اليوم في بيت تابع للدولة، فيما اكتشفنا أن نائباً يمتلك المزارع والأراضي لكنه أهملها لعيون هذا الشعب، وآخر يدفع فاتورة هاتف ابنه الصغير أربعة ملايين دينار.. ونائبة "لطيفة" أكدت أنها تركت العز "وأكل الوز" مثلما يقول أشقاؤنا المصريون، وقررت أن تنزل ساحة الوغى دفاعا عن هذا الشعب المظلوم. قصص من الخيال امتلأت بها برامج التوك شو خلال الأسابيع الماضية، صاحبها تصفيق حاد.. ودموع ساخنة.. وهتافات في ساحات العراق كلها تقول: "مساكين".. فهم ضحوا بالغالي والنفيس من أجل السهر على راحة الشعب العراقي.
وأنا أشاهد نوابنا الأعزاء  قلت مع نفسي: مدهش هذا الوطن، نادرا ما تجد فيه هذه الأيام مسؤولا أو سياسيا لا يكذب، أو يغش، بل ونادرا ما تجد فيه حزبا أو تنظيما تواضع ودخل العملية  السياسية من أجل الخدمة العامة، حيث تطغى المنفعة الشخصية فوق كل الخطب والشعارات.. فهناك اليوم وفرة هائلة من الأكاذيب وقصص الخيال عن أبطال ضحّوا في سبيل هذا الوطن.
قبل أشهر قرأت خبرا طريفا يقول إن لجنة مكافحة الفساد في باكستان اقترحت بإلزام عدد من العاملين في مؤسسات الدولة المهمة بعرضهم على جهاز كشف الكذب.. وتخيلت مع نفسي، ماذا لو صدر قرار في العراق يلزم المسؤولين والسياسيين تطبيق مثل هذا الأمر.. من المؤكد أن البعض من نوابنا لن يعدموا الحيل للالتفاف على مثل هكذا قرارات، وبالتالي لن يكون أمام هيئة محاربة الكذب، إذا استطعنا أن نؤسسها أن تمارس عملها بشكل حقيقي، سوى أن تشترط على الجميع أن يمارسوا أعمالهم وهم صامتون تماما كي تتأكد أنهم لن يسردوا للناس عالماً من الخيال!
ما الذي يمنع أن نرفع جميعا بوجوه الساسة والمسؤولين لافته كبيرة تقول "من أين لكم هذا"؟ وأظن أن لجوء الناس إلى مثل هذا الشعار  أمر منطقي للغاية في بلد لديه برلمان يقضي إجازاته في ربوع أوروبا، وساسة أداروا ظهورهم للوطن.
"من أين لكم كل هذا"، صوت يجب أن يرتفع عاليا مثلما صدحت به يوما فنانة الشعب عفيفة إسكندر بلغة واضحة وفاضحة: "مِنْ أين لك هذا.. هذا من فضل ربي.. مِن أين لك هذا... هذا مجهودي وتعبي... ما تُكلي من أين لك هذا"!
سأصدّق أن نوابنا الأعزاء المساكين قد غرر بهم وتورطوا في هذه البرامج التلفزيونية، ظنا منهم أنها ستساهم  في زيادة شعبيتهم التي هي في أعلى مستوياتها، وسأعتبر أن النواب ظنوا -وحسن الظن من حسن  العبادة- أن الفقرة التي خصصت لثرواتهم، كانت جزءاً من برنامج "الكاميرا الخفية"،  وسأسلم أمري إلى الله وأصدّق بأن معظم نوابنا الأشاوس سمعوا مثل باقي  العراقيين بقصص الخيال هذه، من خلال الفضائيات والإعلام المشاغب.
تصريحات بعض النواب تثبت لنا أن البرلمان الذي أراده العراقيون ممثلا لآمالهم وطموحاتهم أصبح اليوم عبارة عن مجلس شديد العبثية يصرّ أعضاء فيه على أن يجعلوا من قاعته مجرد مسرح هزلي باتت فقرات العرض فيه محفوظة.
الناس اليوم تعيش مع ساسة كلما تقدم العالم خطوة باتجاه المستقبل، يتخلفون مئات الخطوات.  
السادة نواب "التوك شو".. كنا نتمنى لو أنكم وظفتم قدراتكم الخطابية في الدفاع عن حق الناس في الحصول على الخدمات والأمان، بدلا من الاستغراق في هذه القصص الكوميدية.
السادة النواب.. كنت أتمنى أن تجيبوني على سؤال مهم: لو أن معاناة العراقيين ونكبتهم قد حلت بشعب آخر هل سيظل مواطن في بيته، أو تبقى الحكومات تفسد وتستهتر بمقدرات الناس وتكذب وتزيّف وتهرب من مواجهة الحقيقة؟ هل ستظل دماء العراقيين ماءً، ومستقبلهم هباءً… وحقوقهم مهضومة ونفوسهم مكلومة يصرخون فلا من مجيب، وينوحون فلا من مشفق؟
إن مشكلة برلمانيي "التوك شو" اليوم أن الناس لا تصدقهم مهما تحدثوا، ومهما استخدموا من حجج ومبررات وأسانيد ومهما حاولوا أن يرسموا الوداعة والتقوى على وجوههم، فهناك فرق بين أن يعتقد الناس بصحة كلام السياسي من عدمها، وبين قدرة هذا السياسي على التخاطب والتواصل مع الناس.
مخاطبة الناس، هي نقطة ضعف عند البعض، لكنها ليست هي الأساس في عدم تصديق الناس لهم.. فالصدق له مواصفات أخرى غير القبول.. فقد تكون مقبولاً لدى الناس، لكنك غير صادق في مخاطبتهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram