TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أدفّانة أنتم أم مثقفون؟

أدفّانة أنتم أم مثقفون؟

نشر في: 21 أغسطس, 2013: 10:01 م

لم تفزعني نقاشات الكثير من "مثقفينا" على  فيسبوك مثلما أفزعتني ليلة البارحة. فركت عيني مرات ومرات لأتأكد من أنهم فعلا جعلوا من تمني عبد الرزاق عبد الواحد، الدفن في العراق، قضية. المسألة ببساطة شديدة أن الرجل لا يريد الموت في الغربة بل في بلده كي يدفن بالأرض التي ولد عليها. هذه مسألة إنسانية بحتة يقدّرها أي حس. من انتم حتى تفتوا بمسألة كهذه؟ هل لأن جنابكم شعراء مثلا؟ يا ناس، يا دنيا، يا عالم: أين هو الموضوع الجدلي من الأساس حتى تريدوا إثارته وفتح نقاش حوله؟ أتتصورون ان الثقافة هي مجرد امتلاك أحدكم قاموسا من المفردات المنمقة ليسطرها على الكيبورد فيصبح مثقفا.لو ترجمنا مفردات قواميسكم هذه إلى لغة الناس العاديين فما فرق أفكاركم عن فكر أي حارس قومي أو إرهابي أو ابن شارع من شوارع الفاشية؟ ما علاقة شعر عبد الواحد بقضية عودته حتى لو كان قد مدح صدام وغير صدام مليون مرة؟ ما علاقة هذا بإنسان على فراش الموت يريد ان يشم هواء العراق لآخر مرة؟ أهذه هي إنسانيتكم؟ فإن كانت كذلك فيا خيبة العراق بكم.
عيب ولكم والله عيب. ليس العيب في أن بعضكم وقف ضد دفنه بالعراق، إنما العيب أصلا في أنكم تسمحون بان يكون هذا الموضوع جدليا وتخضعونه للنقاش.   لن أتوقف عند موقف اتحاد الأدباء المشين  الذي جعلني أتخيله وقد أوقف حرسه بباب المقابر للسماح لهذا التابوت بالدخول ومنع آخر لأنه لا يحمل تصريحا من رئيس الاتحاد مكتوبا فيه: يسمح بدفنه! سأترك الاتحاد وأتوقف عند الذين "تكرموا" بالموافقة على عودته في أيامه الأخيرة لأنهم هم أيضا منطلقاتهم خاطئة ومؤسفة.
منهم من يقول: لأن الشلاه أو "أبو رغبف" بالعراق، فلندعه يعود! وبعض يقول بما ان صدام دفن بالعراق فلنسمح لمادحه أيضا! ويأتي آخر يلتمس له العفو لأنه كتب قصيدة بحق الإمام الحسين! والآخر يصرح بانه لا يجوز منعه لأنه جنوبي! أقول لكل هؤلاء: لا. فتاريخ الرجل كله ليس له علاقة. الموضوع  ببساطة أن إنسانا عمره 83 عاما يريد أن يموت في بلده. فلا علاقة له بشعره أو بالشلاه أو الجنوب أو انه مدح الحسين. لنفترض اليوم أن العراق جنّة لا بعثي فيه بالحكومة، ولا شلاه، وأن صدام مدفون خارج العراق، فهل هذا يبيح حرمان إنسان في أيامه الأخيرة من أن يموت في الأرض التي يريد؟
الموضوع ليس ثقافيا ولا شعريا ولا نقديا، بل انه إنساني محض ومحسوم عند من لديه ذرة من الإنسانية. أما عن شعره فالرجل ترك منجزا شعريا يمكن ان يدور حوله النقاش إلى 50 سنة قادمة سلبا أو إيجابا.
استحوا على أنفسكم أن ترفعوا حرابكم بوجه رجل مسجى على فراش الموت ولا يطلب غير أن يموت بسلام. عار عليكم أن تحولوا موضوع موت إنسان كهل إلى ساحة وغى تستعرضون بها هزال عضلاتكم الثقافية.
جاء في الأمثال المصرية: قالوا ، تعرف الهايف ازاي، قلهم، ييجي في الهايفة ويتصدر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. مهند

    عندما نفقد انسانبيتنافكل شئ جائز. في جنوب افريقيا كان شعب بكامله مهمش و مقهورو ومع ذلك سامح بعضه بعضا, و نحن لانزال نطالب بثارات داحس و الغبراء. متى نغسل احقادنا و ننظر للامام.

  2. ابراهيم

    آخر قصيدة لعبد الرزاق قالها في صدام قبل اشهر قليلة أكاد اجزم يا مولاي لو تقف في قبرك اليوم ، كل الأرض ترتجف هذا المقالة ارعبتني، فهل وصل البعثيون إلى المدى أيضاً آه يا بلد

  3. محمد المالكي

    هذه هي الثقافة الحقة.....وليس الحقد الأعمى الممزوج بالكذب والنفاق والكراهية المقيتة

  4. يوسف

    عمر الثار والانتقام ماتحل اي مشكلة علينا ان نبتدي من جديد بعيد عن الحقد والانتقام وننظر بانسانسة ونفهم كل الحاقدين ان احنا احسن منهم مومثلهم (عبد الرزاق وربعه )

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram