TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > السينما الايرانية.. رسولوف

السينما الايرانية.. رسولوف

نشر في: 21 أغسطس, 2013: 10:01 م

مرة علق مدير مهرجان لندن السينمائي عن مشاركة الافلام الايرانية في المهرجان قائلا:" اصبح للمهرجان الان نكهة خاصة"، وقد تاكدنا من هذه من خلال المشاركة في المهرجانات السينمائية المختلفة.
فالسينمائيون الايرانيون غالبا ما تكون مشاركاتهم في المهرجانات ومختلفة عن السائد.
فيلم السهول البيضاء لمخرجه محمد رسولوف عرض في العديد من المهرجانات السينمائية واستطاع ان يؤكد حضورا مهما تجلى بانتزاعه العديد من الجوائز.
.ينتمي رسولوف إلى الجيل الأخير من السينمائيين الإيرانيين الذين يواصلون إدامة هذه النهضة الاستثنائية للسينما الإيرانية التي بدأت قبل ما يقرب من ثلاثة عقود على أيدي أسماء استطاعت أن تؤكد لهذه السينما حضورا استثنائيا في المهرجانات السينمائية العالمية.وعلى عادة مخرجي الموجة الجديدة لهذه السينما ينشغل المخرج رسولوف على موضوع الفيلم، فكرته، وشحنها بالرموز التي تنهض به اعتمادا على لغة سينمائية متماسكة، لا تحتمل الزوائد والمشاهد غير المسوغة .. لغة تستنهض كل عناصر الصنعة الفيلمية بما يمنح الفيلم قيمته . رسولوف في السهول البيضاء يتمثل مقولة احد عباقرة السينما المخرج ورسن ويلز القائلة:”لا يكون الفيلم جيدا إلا حين تكون الكاميرا عينا في رأس الشاعر ".. فهو يقدم بامتياز قصيدة بصرية أخاذة .. يتماهى من خلالها المشاهد مع غرابة الموضوع وتفرده .. وأيضا مع التكوينات البصرية للمشاهد المصنوعة بحس فني عالٍ .. لا يفسد تعاقبها السريع على وفق ما يستدعيه إيقاع الفيلم، متعة التأمل التي تمنحها بالعادة اللوحة الفنية .. فضلا عن حشد المجازات التي يزخر بها الفيلم والتي منحته جزءا كبيرا من نجاحه.يستهل المخرج فيلمه بلقطة مقربة ليد تضع قارورة ولوازم أخرى في حقيبة صغيرة ثم يندفع بقارب باتجاه البحر لينفتح المشهد على جزيرة بيضاء ورجال ونساء متشحين بالسواد(اللونان الغالبان في الفيلم).. بحيرة ورومية المالحة، وجزرها الصغيرة التي يغطيها الملح، هي مقصد(رحمة) يؤدي دوره الممثل حسن شيرازي في رحلته اليوليسيسية، لجمع الدموع في قارورته الصغيرة ... كاشفا عن أساطير وطقوس كابوسية تزخر بها الجزر التي تشملها رحلته، توحي وكأنها موضوعة الفيلم، لولا حيرة المشاهد من أمر مهمة)رحمة(، في جمع الدموع .. والتي مثل صورة صادمة في قصيدة ... تفاجئنا النتيجة في المشهد الأخير من فيلمه.ومنذ محطته الأولى في إحدى الجزر، حيث جثة امرأة مغطاة بالملح وفرصة النهل من دموع من يحيطون بها .. يبرز سؤال الدمع .. الفضول في كشف وجه الجثة التي يصطحبها في قاربه المتهرئ، ليفاجأ بوجه صبي يلجأ لمكيدة استبدال الجثة ليستقل القارب بحثا عن مصير والده، ومن ثم رغبته في كشف سر هذه الدموع التي يحملها رحمة قارورته .. وبين الرحلة في جزر هذه البحيرة والأساطير والخرافات التي تمارس بها، نرحل مع عالم مليء بالأسرار الحكايا .. حكايا ثيمتها الدموع .. دموع فنان يرى ان البحر ابيض اللون لا ازرق فيعاقب بدفنه في الملح حتى رأسه .. ودموع فتاة جميلة تزف إلى البحر في طقس تغلفه الحيرة.. ودموع من يحمل أماني وآهات ونذورا معه، إلى بئر عميقة لا يعرف قرارها .. ونحيب شيخ شبه عار يعيش ويقرأ الشعر على قمة صخرة صماء وسط لبحيرة .. وقبور للمارقين شواهدها قطع خشبية طافية على وجه الماء.إسقاطات واضحة ورموز، بمساحة قراءة واسعة يضمنها رسولوف في فيلمه هذا، مراهنا على وعي مشاهد ربما لا يجد صعوبة في فك طلاسمها.في المشهد لأخير من الفيلم يتصالح المخرج مع متابع موضوعة فيلمه .. مشهد تعمد رسولوف ان يكون مختلفا في أجوائه، حيث تطغى فيه الألوان هذه المرة، لكنها ألوان باهتة لا توحي بالخلاص ، بقدر كشفها عن سر الدموع، حيث يفتح قارورته التي عبأها بدموع (ضحاياه) الحزانى واليائسين والباحثين عن الخلاص ليسكبها على قدمي شيخ مقعد .. وليفجر بها من جديد أسئلة من نوع آخر، أسئلة تتعلق بمصائر البشر، وحدود صرخاتهم، ودموعهم التي يمكنها أن تكون بحيرة مالحة أخرى من المآسي .. ولكن عند قدمي شيخ هرم .. يبقى وجوده هو السؤال الأهم.وعلى طريقة الموجة الناهضة في السينما الإيرانية التي حمل لواءها مخرجون أمثال كياروستامي، ومخملباف، وقبادي ومجيدي، وجعفر بناهي(يشارك في مونتاج هذا الفيلم)، فإن رسولوف يختار موضوعة فيلمه بما ينأى به عن التابوهات التي وضعتها المؤسسة الرسمية، موضوعة على الطريقة (التشيخوفية) تنفجر منها أفكار ورؤى تأخذ لب المشاهد .. بما يتوفر لها من حرفية عالية ومعالجة ذكية .. انها بالضبط أفلام أفكار كبيرة.. أفلام تقفز على اسر القيود، تتحايل على سطوة الرقيب.فيلم السهول البيضاء يشعرك بجدوى الرهان على سحر السينما رسالتها..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram