عدنان وسلمان وغزوان، ابناء علوان، خالفوا نصائح أبيهم، العامل في السكك، وانضم كل واحد منهم الى حزب سياسي مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي، الابناء الثلاثة كانوا بأعمار متقاربة، ونتيجة تأثرهم بأفكار وتوجهات زملائهم في كلياتهم، احدهم اصبح شيوعيا والآخر بعثيا، والثالث انضم الى تيار سياسي ديني، وهو الاصغر والأقرب الى ابيه، لالتزامه بأداء الفرائض الدينية، ولم تسجل عليه مخالفة في السجل العائلي، يقيم الصلاة بأوقاتها، وقليل الخروج من المنزل، يقرأ القرآن والأدعية بصوت مرتفع يسمعه حتى الجيران، فنال رضا الوالدين، عكس شقيقيه عدنان وسلمان، فقد نقلا الصراع السياسي بين حزبيهما الى داخل المنزل، ولطالما وصل النقاش الى المشاجرة ورفع الاصوات اثناء الدفاع عن الأفكار والبرامج، وسبل تحقيق النظام الاشتراكي في العراق في ظل وجود الحزب الحاكم، وتجاهل السلطة آنذاك التفكير باجراء اي نوع من الانتخابات.
عادة ما كان يبدأ النقاش بين عدنان الشيوعي وشقيقه سلمان البعثي في ساعة متأخرة من الليل بعد ان احتسى كل واحد منهم ربع عرق في باره المفضل، في شارع أبو نؤاس، وعندما يسمع الأب حديثهما، يخرج من غرفته، غاضبا، ومع سيل من الشتائم والتهديد يخاطب الاثنين بتكرار مقولته "طاح حظ السياسة العلمتكم على شرب العرك" فيضطر الشقيقان الى ارجاء المناقشة الى إشعار اخر.
الابناء الثلاثة كانون يتقاضون المخصصات الشهرية المخصصة للطلبة وتبلغ 15 دينارا، تستوفى منهم بعد التعيين، غزوان يعطي لوالديه جزءا من المبلغ، أما عدنان وسلمان، فكانا يقترضان منه مايسدد نفقاتهما لحين انتهاء الشهر، وفي كثير من الاحيان يرفض طلباتهما لانه لايريد ان يسهم في منح درهم واحد لأحزاب، اعلنت تبنيها مواقف عدائية تجاه الحركات السياسية ذات التوجهات الدينية، واتهمتها بالرجعية والوقوف ضد اقامة دولة مدنية في نظام اشتراكي.
بيت علوان عكس بشكل مصغر ما شهده العراق من صراع سياسي، فوصل الخلاف بين الاشقاء الثلاثة الى ذروته، وعجزت القواسم المشتركة الأسرية عن تحقيق التقارب في وجهات النظر، وعندما فارق الاب الحياة، والتحقت به شريكة حياته بعد سنة، وقبل اندلاع الحرب العراقية الايرانية، اضطر الشيوعي الى مغادرة العراق، وابعد البعثي من الحزب لاعتقال شقيقه غزوان بتهمة الانتماء لتنظيم "سياسي عميل"، وبهذه النتائج اسدل الستار على ما تبقى من بيت علوان، فيما ظلت نصائحه بالابتعاد عن السياسة تدور في اذهان الاشقاء الثلاثة، فنقلوها الى ابنائهم بوصفها وصية، تنسجم مع الواقع العراقي.
ابناء علوان وفي آخر زيارة لقبري الوالدين، ذرفوا الدموع وقدموا الاعتذار لتجاهلهم نصائحه، ووصيته فطلبوا منه الرضا، معربين عن اسفهم وندمهم بارتكاب "ذنوب" كانوا يعتقدون انها الطريق الوحيد لتحقيق عراق مزدهر.
أبناء علوان
[post-views]
نشر في: 23 أغسطس, 2013: 10:01 م