ينقسم المتأسلمون هذه الأيام بين فريقين مذهبيين، الشيعة من جانبهم يتبنون الكفاح المسلح ضد إسرائيل، باعتبار أنها اغتصبت القدس، وهي قبلة المسلمين الأولى، ومسرى الرسول وتحتضن ثالث الحرمين الشريفين، ويتجلّى ذلك في تبنّي حزب الله اللبناني خيار المقاومة، مدعوماً من الجمهورية الإيرانية الإسلامية، وقد حظي قبل تدخله لصالح النظام السوري بشعبية عند كل الطوائف، وتناسى أهل السُنّة مذهبيته لصالح تصديه للعدو الصهيوني، وفي الجانب الثاني هناك المتأسلمون السُنّة، بقيادة الإخوان المسلمين والتنظيمات "الجهاديّة" وتتجلّى مقاومتهم بتبنيهم حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي خاضت معارك طاحنة مع الإسرائيليين في حرب غزة، وقامت بالعديد من العمليات الفدائية ضد "يهود"، غير أنّ الجانبين رضيا بهدنة طويلة مع العدو، وتفرّغا لمهمات "نضالية" مختلفة عن مبررات قيام هذين التنظيمين.
حزب الله انشغل بتفاصيل السياسة اللبنانية الداخلية، خصوصاً بعد حرب تموز، التي أعلن بعدها نصره الإلهي، ولكن تراجعت فيها قواته عن الحدود، بنى تحالفات مع جانب من المسيحيين على وجه الخصوص، وأصر على الاشتراك في الحكومات بنسب تعطل أيّ قرار لها لايروق له، وهو مازال يُصر على أن سلاحه مُكرس للمقاومة، رغم أنه استعمله لترهيب مناوئيه من اللبنانيين، وانخرط في حرب النظام السوري ضد شعبه المطالب بالحرية، تحت مزاعم الدفاع عن جبهة المقاومة والممانعة، التي يُقدّر أنها ستنهار بانهيار نظام الأسد، وتظل طهران وحيدة في مواجهة الغرب الرافض لبرنامجها النووي، ويفقد هذا الحزب الدعم المالي من إيران، والعمق الستراتيجي في سوريا، لكنّه مع انشغاله بتفاصيل السياسات اللبنانية المتقلبة لم يتخل عن سلاحه، الذي يكرسه اللاعب الأول على الساحة اللبنانية.
حماس من جانبها ظلت تشتم اتفاقيات أوسلو، لكنها شاركت بضراوة في قطف نتائجها، فتُرشّح منتسبيها للمجلس التشريعي، وتُشكل حكومة، ولا تكتفي بكل ذلك، فتنقلب على قيادة السلطة منشئة إمارة إسلاموية في غزة، تتحالف مع النظام السوري مرةً، وتنسحب من هذا التحالف تلبيةً لأوامر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذين يخوضون الحرب ضدّه، مرة أخرى، ولا تتورع عن استخدام سلاحها المقاوم، في دعم شرعية الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي، وتشعل بالتعاون مع القاعدة جبهة سيناء ضد الجيش المصري، تستغل أنفاق التهريب لجباية الأموال من الغزيين المحاصرين، وترفض أية خطوة تقود للمصالحة الوطنية، خشية فقدان امتياز تفردها بحكم قطاع غزة.
في الأثناء بنى الجانبان إمبراطوريات مالية عابرة للقارات، لم تكن معنية بأن تكون أموالها حلالاً خالصاً، ففيها تجارة حشيش وغسيل أموال، وفيها تهرب من الضرائب، باعتبار أن الحكومات التي تجبيها لاتسير على نهج الشريعة، وفيها تبرعات بدون وصولات لايعرف أحد مصيرها غير قابضها، لكنّ الجانبين يُصران على أنهما تنظيمان منذوران للجهاد، ويسعيان بكل الجهد والتعصب لإثبات أن انتماءهما الطائفي، هو الدافع الأول لبذل النفس رخيصة في سبيل الله والقضية الوطنية، ولكل من الطرفين جهات سياسية داعمة تمتد من الرياض إلى طهران وأنقره، مروراّ ببغداد والقاهرة، وصولاّ إلى بيروت وغزة.
والنتيجة.. ستظل المُتاجرة بفلسطين وقضيتها دجاجةً تبيض ذهباً عند مُدّعي الجهاد، وستظل فلسطين أسيرةً تنتظر، والمؤلم أن انتظارها سيطول.
بين الشّيعة والسُنّه
[post-views]
نشر في: 24 أغسطس, 2013: 10:01 م