TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المالكي بـ " الهندي "

المالكي بـ " الهندي "

نشر في: 24 أغسطس, 2013: 10:01 م

قطع المالكي آلاف الكيلومترات ليستقر في الهند، ويتحدث من هناك معلناً أن خبرة الهند في الديمقراطية لاقت استحساناً، وأن هناك الكثير من الممكن للعراق أن يتعلمه من الخبرة الهندية.
قالها رئيس مجلس الوزراء في الهند، فيما يقول جماعته وحزبه في العراق أشياءً أخرى، لكن دعنا نصدق تماما أن المالكي يريد ان يتعلم من التجربة الهندية، وننسى أنه سعى الى تكريس الانقسام في البلاد، وعزز بين مؤيديه معاني كثيرة عن إقصاء الآخرين.
دعك من ذلك وأنسى أن أنصار السيد المالكي، لا يزالون مصرين على تطهير البلاد من الخصوم، وسأفترض أن المالكي بات الآن يملك وجهة نظر وقناعة مغايرة تماما عن مقربيه المتحفزين ضد شركائهم في الوطن، ولكن لماذا يقول رئيس مجلس الوزراء، في الخارج ما يفترض انه يطبقه في الداخل، ولماذا يترك الجرح العراقي ينزف، ثم نراه أمام الفضائيات يتحرك مدعياً أنه يحاول مداواته؟
وقبل أن أضع مقارنات بين الديمقراطية الهندية الراسخة، وبين ديمقراطيتنا العرجاء، أود أولا أن أشير إلى خبر صغير قد لا يلتفت إليه السيد المالكي، فقبل اشهر قام رئيس وزراء الهند، بتعيين المسلم آصف إبراهيم مديرا لجهاز المخابرات في بلاد ذات أغلبية هندوسية، برغم أن أكبر خطر يهدد الهند يأتيها من المتطرفين الإسلاميين.. إنه حدث على السيد المالكي ان يتأمله جيدا، لأنها خطوة مهمة لتمكين الآخرين من المشاركة في الحكم، وما دمنا في حديث الاستفادة من تجربة الهند، أسال السيد المالكي، هل يسمح بتعيين "سني" على رأس جهاز أمني في العراق.. لأنني لا أريد انج أذهب بعيدا وأسال: هل يمكن تعيين مسيحي أو إيزيدي أو صابئي رئيسا للمخابرات في العراق؟ وسأبسط الامر اكثر واسأل هل يسمح المالكي بتعيين مديرا لمكتبه من خارج اقاربه ومعارفه؟
في "رسائل إلى ابنتي" كتب نهرو إلى ابنته أنديرا من سجنه البريطاني في الثلاثينات إنه سوف يُنشئ حزب مهمته النضال ومن أجل الحرية، والحفاظ على النظام الديموقراطي والمرجعية البرلمانية واحترام الحريات.. ولا تزال عائلة نهرو، ترث الزعامة السياسية في الهند، تربح حينا وتخسر أحيانا كثيرة، لكنها لا تشتم الآخرين، ولا تسخر من الخصوم.
لقد عانينا في العراق عشر سنوات من الطائفية، وهو ما أدى إلى تقسيم المجتمع بصورة كبيرة، بحيث أصبحت شرائح واسعة لا تثق في بعضها البعض، وحيث ينمي الساسة نظريات المؤامرة، ولهذا أتمنى على المالكي قبل ان يتحدث عن الديمقراطية ان يتوقف للحظة ويسأل نفسه: " كيف تمكنت الهند،، أن تُنحي ثقافتها الهندوسية جانبا وتصل إلى مجتمع متنوع الثقافات والرؤى؟
أقرأ في كتاب غاندي " قصة تجاربي مع الحقيقة " كلمات المهاتما عن التسامح " أحسست أن تسامحي ينقل شيئين للذين يظلمونني ويسيئون معاملتي، أولا: مدى قدرتي على تقبل الآخر، وثانياً: قناعتي أن قوتهم ستسقط يوما ما ".
 لو أعدنا قراءة التاريخ مرة أخرى، لوجدنا أن المتسامح غالباً هو الذي يفوز، وأن الحوار هو الذي ينتصرغالباً على يـد رجال كلماتهم اقوى من المدافع، أفكر طبعاً في غاندي ونهرو، ومانديلا ولي كوان وسليفا ومهاتير محمد.
الذين هزموا الظلم وكسروا خوف الناس وأعلوا كرامة شعوبهم، لم يكونوا قادة معارك المصير، ولا رافعي لافتات "ما ننطيها" كانوا رجالا يحبون شعوبهم لا مقربيهم، ويعملون لأوطانهم لا لأحزابهم، لم يقطع غاندي صلة شعبه بالماضي ولم يجتث المختلفين معه في الرأي، بل أنشأ دولة تعرف معنى الحرية والاختلاف بالرأي، وأرغم العالم، على تقديره واحترامه، من دون أن يرفع العصا الغليظة في وجه أحد، ومن دون أن يشتم أحداً، ومن دون أن يتهم الآخرين بأنهم خونة ومتآمرون وفقاعات.
حين سألت أنديرا غاندي عن الأزمة مع السيخ قالت: إنها ازمه مع المتشددين فقط، وليس مع طائفة بأكملها، وتضيف بأنها رفضت طلب بعض أعضاء الحكومة بتغيير، حرسها الشخصي المكون من الضباط السيخ معتبرة أنه يجب أن لا يؤخذ الأبرياء بجريرة المذنبين.
أنديرا أيقونة التسامح والغفران في الهند البلد، استطاعت بطيبتها وتسامحها وبساطتها أن تطوي صفحات من العداء الطائفي بين مكونات الهند وان تفتح طريقا لهند جديدة أصبحت اليوم بمصاف الدول العظمى، طريق المستقبل للمواطنين المتعددي الأعراق والأديان، وكانت مواقفها رمزاً لهذا المستقبل، دفعت ثمنه حياتها حين رفضت ان تغير حرسها الخاص من أشخاص مقربين معتبرة ان كل أبناء الهند هم أبناؤها وان اختلفوا معها في الدين أو المعتقد أو الرؤى السياسية.
أتمنى أن يقرأ المالكي رسائل نهرو إلى ابنته أنديرا، ليعرف الفرق بين حاكم أخرق يضحي بشعبه من اجل السلطة، وبين حكام يعتبرون السلطة مثل حجر ثقيل جاثم على القلب!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 12

  1. خليلو...

    من يرد ان يكون ديموقراطيا عليه ان يمتلك ادوات الديموقراطية ووسائل تقبلها وان يكون قد عاش في محيطها وتعلم لغتها فقل لي بالله عليك كيف يتسنى للاحزاب الاسلامية ممارسة الديموقراطية ؟! ناهيك عنها اذا كانت طائفية الطامة ستكون اكبر..الاسلام فيه خير كثير للمجتمع

  2. آريين آمد

    حتى لو قرأ المالكي (رسائل نهرو الى ابنته) فسيواجه ثلاث عقبات الاولى هل سيفهم فحوى او روح تلك الرسائل؟؟؟ فالموانع كثيرة جدا لتحقيق فهم شامل وصحيح، الثانية هل سيقتنع بالافكار الجديدة التي تشمل التسامح وقبول الاخر؟؟؟؟ والثالثة هل سيطبق تلك الافكار على ارض ال

  3. رمزي الحيدر

    المشكلة أن المالكي لا يقرأ،،..،،،.،

  4. علي عبد علي

    ان المالكي - شأنه في ذلك شأن بقية قادة الاسلام السياسي - ينفذ حرفيا اوامر اسياده في واشنطن فقط. انه مثل مرسي و الغنوشي و اردوغان و نصرالله و غيرهم من المنزلين من سماء المخابرات الامريكية لا يهمه من الديمقراطية غير كرسيه، و ان مقارنته بغاندي العظيم لهو تجن

  5. عادل المهندس

    من يقرأ المقال يعتقد بان الكاتب هو من كوكب اخر لا علم له ما جرى ويجري في العراق!!! الديمقراطية العرجاء في العراق هي ليست من صنع المالكي ولكن طبخة جاهزة اعدت منذ سنوات من الاطاحة بالمقبور صدام حسين. الديمقراطية لا تعني الجميع في الحكم من غير معارضة الكل ضد

  6. علي العراقي

    انا معك في كل ماتقول وكتابك اكثر من رائعة بموضوعيتها وواقعيتها وانكتضرب على الوتر الحساس ولكنك تخاطب شريحة واعية تفهم ابعاد ماتقول وهؤلاء صدقني بلا وعي ويتعبونك ويرهقون قريحتك الصافية الانيقة هؤلاء يضحكون علينا وما دام ثمة من يقول لك نريده حتى لوكان ظالما

  7. هادي فوزي

    اعتقد أن الهنود أهون حالا من الأخوة الكرد الذين .وكما يبدو قد أثروا ( باستكرادهم ) كثيرا على السيد علي حسين ..!!؟؟ فقط أريد من القرأء أعادة قرأة الفقرة الأخيرة من المقال . ثبت ان السيدة انديرا غاندي لم تكن على صواب في قتل نفسها على يد حراسها وهو ما يحاول

  8. Aub Heba

    هؤلاء هم من يحكمون العراق وزوجاتهم ، وهذه هي الديمقراطية ، التي جلبها الاحتلال ،. الآن ابو إسراء طيب الله ثراه يحاول أن يتعلم من تجربة الهند ، للأسف قد أساء لتجربة الهند لمجرد التفكير بها ، لانه لا لا يمتلك القدرة ان ينسلخ عن عباءة الطائفية ، أو السي

  9. hussein

    شر البلية ما يضحك نطلب من المالكي ان لا يكون طائفيا وانت مقالك طائفيا بحتا

  10. ابوجهاد

    الديمقراطية حسب روية الكاتب هي : انتخاب رئيس وزراء ضعيف وليس له الحق في تنفيذ صلاحياته .وعليه فلا يحق له منع الارهاب والخراب بل ويجب عليه تمكين القتلة والمجرمين من مفاصل الدولة لكي تكون لهم مساحة اوسع واكبر وليس للحكومة الديقراطية الحق في معاقبة

  11. موحد اكرم البصري

    لقد نقل الاخ الكاتب الحقيقة العرجاء واغفل ان الذي قتل انديرا غاندي هو احد ضباط حرسها الخاص وهو من السيخ بطبيعة الحال واسال الكاتب هنا هل كان في حرس صدام الخاص اي فرد من الجنوب!!!! اكيد يعرف الاجابه

  12. احمد الساعدي

    لا يستطيع أن يقيل عامل بسيط ولايستطيع أن يبسط الأمن ولايستطيع أن يحاسب الفاسدين ولا يستطيع أن يوفر الخدمات ولا يستطيع أن يوفر السكن والوظائف ولا يستطيع أن يحمي العراق من تدخلات الدول الخارجية ولا يستطيع أن يمنع القتل اليومي للعراقيين فماذا تنتظر إن كانت

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram