ومن قال اننا نمنعكم من ان تهيموا عشقا بالطائفة، او التعصب لها والذود عن مرتبتها وقدرها؟ ان لدينا وحسب، استفهاما حائرا تتهربون انتم منه: الى متى سيظل عشقكم للطائفة، يأتي على شكل "حب اسود" يساوي فناءها، طبقا لمراتب "العشق" ومقاصده ومدارسه؟
حكايتنا في المستوى الاول: لقد عجز "أبطال الطائفة" عن حل محنتها في زمن يتغير بسرعة، فقرروا استحداث ذلك النموذج "السهل" من البطولة. انه نموذج غير مكلف "لابطال الملاحم"، يحلو لكثير من المجانين العاطلين عن الابتكار والحكمة، ان يجربوه. ما عليك أيها المخبول العاطل، إلا أن تخرج عند باب الخيمة، لابسا درعك وخوذتك. تمتشق السيف، بعد أن تشرح أسباب "الحرب المقدسة" مستعينا بكل الكلمات المستعملة عبر الدهور. يا من تشبه "آخر الهنود الحمر"، أن القبيلة المندحرة أمام "بلاغاتك البلهاء" ستنسى فشلك وتنسى جوعها وفاقتها، وستؤجل كل الاحلام، وتخرج معك ببقايا الغالي والنفيس، للذود عن "الجماعة". ما عليك أيها المخبول سوى ان تتذكر، ان لحظة الهستيريا الجماعية، ستجعل القبيلة منشغلة لا تجد فرصة لتقدير النتائج والعثور على منطق، ولا احد يتذكر سوى بديهة ميتة تنص على ان "الابادة" قدر رسمته الالهة في نهاية الاساطير "لكل الابطال".
المستوى الثاني: لقد عجز "ابطال الطوائف" عن قراءة مفتتح الأساطير، ولم ينجحوا في تقليد مراحل الولادات الذهبية والرخاء، وراحوا يولعون بالخواتيم الحزينة، وبقصائد "الفناء المحتوم"، يتقدمون الجموع نحو ذلك "الحتف المشرف"، متسترين على الفشل، بإبادة الشعب، كي لا يكون ابناء الوطن شهودا على "عجز الابطال" وفضيحتهم.
لحظة الخبل التي تتاح لمن يستسهل البطولات، تضع كل الامة في "الخدمة الإلزامية". لن يكون هناك منجى ولا سلامة لفرد من الجماعة، والويل لمن خرج على الاجماع، ونادى بالصلح او التفاوض او تدبير يتصل بالحكمة، عدا تلك القنطرة نحو الموت.
المستوى الثالث: "البطل الفاشل" المحاط بحشود الجياع، يفشل في اطعام ابناء المملكة، فيقرر ابادتهم، عبر زجهم في الحرب المقدسة، كي يستأثر بالشحيح من مخزون "الماء والكلأ". لذا وقبل اطلاق عمليات "الابادة"، يعمد الى توزيع طائفته على قسمين، احدهما مصان في مخدع آمن للطائفيين، محصن بألف حصن. والثاني مشروع ذبح ابدي مخلوق للطعان والانتحار. "البطل" يردد بين خواصه: لقد عجزنا عن حماية كل الطائفة، ولابد من التضحية ببعضها، ليبقى البعض الاخر، المصطفى، والمختار "بعناية". الامة تضحي بجزء منها، فائض عن الحاجة. الجزء الذي يزعم انه "يحمل دماء ملكية"، يضحي بالجزء الاخر من الطائفة المكون من "ابناء العبيد، وخاملي الذهن، والجياع".
جزء الطائفة المتحصن وراء الجبال والبحار، وفي عمق البراري، متنعما بالزيت الاسود ومفاتيح الحرب، يقذف بجزء الطائفة "الجائع او خامل الذهن وسيء الحظ". لم تخلق الالهة الشطر الثاني من الطائفة، الا ليكون قرابين تفدي مجد شطرها الأول. انه منطق "الاصطفاء" الذي تصوغه أنانيات الطوائف.
المستوى الرابع: انهم يورطون الطوائف بطموح مستحيل، ويوصدون الباب أمام كل حوار، ولا يناقشون حلولا وسطى، ولا طموحات مقبولة، ويسخرون من "السياسة" وأخلاق التفاوض والتسويات، وينظمون قصائد الحماسة تغزلا بالتطاحن الاسود، ويقنعون الشباب بأنهم سائرون نحو المجد، عبر المحرقة تلو الاخرى.
انني لا اعترض على تعصبك لطائفتك، وعلى العكس تماما، أشجعك بكل ما أوتيت من بلاغة الوصف وقوة المبنى والمعنى، على ان تهيم عشقا برموز جماعتك العرقية او الدينية، متضرعا لآلهة التاريخ كي يبلغ حبك الى مستوى، يمنعك من ان تقذف طائفتك الى البحر. ويتيح لك ان تعثر على سلم النجاة في عالم يحترق، وأن تؤمن برجاحة العقل بدل الاستسلام لفوضى الغريزة المتوحشة.
لكن اذنيك موصدتان امام توسلاتي. انك تصغي لنداء سحيق اشد خبلا منك: ايها المخبول المخفق في درس الحكمة، كل ما عليك فعله، هو ان تقود الجموع الى الفناء، بذريعة "الحب"، كي لا تزاحمك على "ذخيرة الماء والكلأ"، ولايكون ابناء الطائفة شهودا على فشلك الذي سيتواصل، وكي يتاح لك ان تمارس دور "البطولة المزيفة". وفي الطريق الى الفناء، لن يتجرأ احد على سؤالك حول ممكنات السلام والحكمة وسوى ذلك من "الكلام الفارغ" وسينسى الناس انك تحارب في عصر انتهاء الحروب، وتمارس عدوانيتك ببدائية، في عصر الفضاء. لن يسألك احد عن المصير و"القدر". وهل القدر الا "انت" و"حبك الاسود" لطائفة عالقة في التيه؟ ولن يختبر احد حقيقة "عشقك" للجماعة، وهل الحب الا "الفناء"؟
حين نبيد طوائفنا بالحب الاسود
[post-views]
نشر في: 24 أغسطس, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
آريين آمد
رائع ياسرمد ... رائع
faris shlash
مقال رائع جدا ومستوى ادبي راقي ومعاني صادقه
عهد الوارثين
كلام جميل ولكن انت تطلق التوصيفات وتنسى الحضارة المقابلة التى تكن لها الاحترام الشيوعية والراسمالية والعلمانية والقومية اسف انت ضد القومية ولكن هذة الحضارات ادخلت عشاقة فى حروب طاحنة لو قارنو الحروب بين العقائد والاموال والعالم المادى لفضلت الحروب العق