الكلام هنا موجه الى النواب البارزين ذوي الدور القيادي داخل كتلهم، والذين ساهموا في صناعة الكثير من القضايا المفيدة، واطلاق مراجعات وإصلاحات سيكون لها أثر كبير. واستناداً لهذا كنت ولازلت أنا وأمثالي، من المتفائلين بأن القوى النيابية التي تمثل تنوعنا الإنساني، أمام فرصة لصناعة زمان جديد، ولم نتأخر عن دعم النواب ومواقفهم، حين حاول سلطان اختطف الدولة، مع فريق سياسي وعسكري منقوص الحكمة والتدبير، ان يرفع حصانة النواب وأن يسعى لحل البرلمان.
إننا مؤمنون بأن لا خيار أمام شعبنا، سوى ان يتعلم حكم نفسه بنفسه، وأن أخطاءنا وأخطاءكم أيها النواب، جزء من عملية التدريب والعبور المؤلم، من قبر الاستبداد، الى جحيم فشلنا كأمة، نحو امل ان نتعلم ونبدأ بإصلاح الحال. لكن هذا لن يقنع الملايين الذين يعيشون ظروفاً هي الأسوأ عبر تاريخنا، كنكبة متواصلة بلا استراحات، وسيظلون يشتمون البرلمان وكل الطبقة السياسية، ولن يستثنوا أحداً، لان الآلام لم تستثن يوماً من أيام الجمهور.
ولذلك، فإن أية محاولة منكم للتضجر والتأفف من الجمهور ومنظمات المجتمع المدني، التي تنوي الاستمرار بمحاولات منعكم التمتع بالامتيازات، ستفتح جبهة نحن في غنى عنها. وستشغلنا جميعاً وتجعلنا ننسى الخناجر التي تطعننا بها قوى الإرهاب، وننسى جهالة الحاكم بأمره، سلطان التخريب وتضييع الفرص.
إنكم متورطون، بالمعنى الحرفي للورطة، في تمثيل أمة تعيش أسوأ لحظاتها، خلال عبور مؤلم ودقيق، على سراطٍ "أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة" يجعلنا نتهاوى ونتساقط. معظمكم لم يتلق تدريباً على هذا وهو محدود الكفاءة. وهناك نخبة نيابية تتحرك بما أتيح لها من نضج، لتصحيح المسارات، ولن يتسنى للناس ان يطلعوا على نتائج مساعيهم هذه إلا بعد حين. وجزء أساسي من مسؤولية التصحيح، ان تنصتوا باحترام الى غضب العراقيين المشروع وهو غضب اقل من الطبيعي، اذ لو كانت الظروف مناسبة بلا انقسام طائفي ولا قاعدة او ميليشيات، لاتجهت الحشود نحو كل بيوت السلطة، وأحرقتها وطردت "ولاة الأمر"، بعد عقد من الفشل والموت.
مسؤوليتكم الإصلاحية تجعلكم أمام لحظة حساسة، فالسلطان وفريقه نظموا حملة جيدة لإبراز عيوب البرلمان والتحريض عليه، وهي عيوب غير مختلقة في غالبها، وأنتم لم تنجحوا بشكل كاف في إقناع الجمهور، بأنكم قادرون على تقليص الأخطاء واستجواب المقصرين. كما لم تحسنوا تقنين امتيازاتكم، وبقيتم تعيشون في أحيان كثيرة، صيغة منفصلة عن عذاب العراقيين الرهيب. وسيبقى أمثالي يدافعون عن وجودكم، طالما بقيت تلك المساعي النيابية التي تحاول القيام بدور صعب، ووضع تشريعات تنطوي على مراجعة وتصحيح واعدين، لكننا لا نريد ان نراكم في مواجهة مع جمهور وتيار مدني غاضب عليكم وعلى فشل الحكومة في الوقت ذاته.
الأمر الوحيد الذي يصون "بقايا إيماننا" بالنظام، هو ان تبذلوا الجهد المناسب للتعبير عن احترام غضب الجمهور، والتدليل على ان تصحيح الحال ممكن عبر أعلى سلطة للرقابة والتشريع. وأول ما يمكنكم فعله هو توفير كل متطلبات خروج تظاهرة نهاية الشهر، والحرص على حمايتها، بوصفها وثيقة تنطوي على تحذير كبير لنظامنا السياسي بأسره، والبرلمان رمزُهُ وقمَّتُه.
المستفيد من تخريب علاقتكم بالجمهور، هو حاكم يشتهي الاستبداد ويكره انخراطنا في العالم المتقدم، وتلك القوى الإرهابية الخسيسة. والجمهور متوجع ولا يمكن ان نطالبه بضبط النفس فهذا كلامٌ مترف بلا طائل. انتم النواب، الأكثر استرخاءً ومنعةً وحصانةً. واللوم سيقع عليكم دوماً، اذا خضعتم لترهيب السلطان، او امتنعتم عن احترام غضب الشعب. الحملة ضدكم فرصة لتدريب "حساسيتكم الإنسانية" ولكي تبرهنوا أنكم افضل من رأس السلطة التنفيذية، وهي فرصة أتاحها لكم، الجمهور الغاضب نفسه.
البرلمان يحمي مظاهرة ضده؟
[post-views]
نشر في: 26 أغسطس, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
سهام داود
استاذ سرمد مقالة رائعة اتمنى على هؤلاء النواب الذين ذكرتهم ان يكون قدر هذه المهمة وهي صعبة جدا للغاية.
Souad
مقال رائع ..احترم فيه الحرص والحرقه الواضحه في كتاباتك علي هذا البلد..نحن نحترق من القلب علي بلد اسمه العراق وهو في ايدي البعض من الحراميه والمتخلقين .. ينتمون الي زمن ما قبل القرون الوسطي لقد اثبتو انهم فعلا يكرهون العراق!! واراده هذا الشعب يجب ان تضهر ل
Souad
مقال رائع ..احترم فيه الحرص والحرقه الواضحه في كتاباتك علي هذا البلد..نحن نحترق من القلب علي بلد اسمه العراق وهو في ايدي البعض من الحراميه والمتخلقين .. ينتمون الي زمن ما قبل القرون الوسطي لقد اثبتو انهم فعلا يكرهون العراق!! واراده هذا الشعب يجب ان تضهر ل