لم أكن عرفت، أو حتى سمعت، بالكاتب البلجيكي المتنوع إريك إيمانويل شميت (28 آذار 1960) والفضل يعود إلى إحدى الصديقات، لأكتشف إنه كاتب مسرحي، أيضاً، عرضت أعماله في بلدان عديدة (أكثر من خمسين بلداً) وحظيت بالنجاح وإعجاب النقاد. له روايات عديدة أيضاَ وفازت بجوائز أدبية مرموقة من مجلات ومؤسسات أكاديمية وفنية، وهو كاتب سيناريو ومنتج أفلام سينمائية وكاتب قصص قصيرة.
روايته الأخيرة (صدرت عام 2008) كانت بعنوان (يوليسيس من بغداد) وبطلها شخصية عراقية اسمها (سعد). ويذكر فيها: "My name is Saad Saad, which means in Arabic..." Hope Hope - "إسمي سعد سعد وتعني أمل أمل بالعربية" -.
يغادر سعد بلده العراق بسبب الحرب والقمع إلى بريطانيا باحثاً عن الحرية والمستقبل وثمة سؤال يتردد في أعماقه: كيف لك أن تعبر الحدود من دون أي دينار واحد في جيبك؟
ومثل يوليسيس، بطل الأوديسة الإغريقية، على سعد أن يواجه العواصف وإعادة الحياة إلى حطام السفن، وعليه أيضاً أن يتملص من مهربي الأفيون ويصم أذنيه عن صفارات الإنذار التي تحولت إلى نجوم موسيقى الروك، والتخلص من قسوة السجان (سجن في مالطا).
رحلة سعد بتذكرة بلا عودة (Oneway) خيار تهريجي ومأساوي، حسب الكاتب، لكن ذاكرة سعد لم تزل مثقلة بحواراته مع أبيه الذي لا ينساه ومجمل المغامرات والمحن التي عاناها.. إنها حكاية النزوح على لسان واحد من ملايين البشر الباحثين عن السلام في مكان ما على هذه الأرض.
يقدم شميت في هذه الرواية (الملحمة) أسئلة الإقامة والاغتراب بمزيد من الحنو والتعاطف وإشكالية الهوية أو بلوغ آخر حصون أوهامنا.
ثمة ما يثير اهتمامنا، كعراقيين، أن يروي حكايتنا كاتب وفنان بلجيكي معروف، ويعري واحدة من أكثر تجاربنا قسوة وفداحة جراء حروب الفاشيست وقمعهم بحق العراق والعراقيين ألا وهي اللجوء والاغتراب بسبب الحرب والقسوة.. العراقيون في روايات العالم!
الثيمة الأساسية في أعمال شميت هي الِأديان التي أثرت بشكل كبير في أعماله إذ حرص على خلق هارموني فكري بين أديان مختلفة، كالمسيحية واليهودية والإسلام والبوذية، وله رواية تحولت فيلماً بطله الممثل المصري العالمي عمر الشريف بعنوان "Monsieur Ibrahim et les fleurs du Coran” (السيد إبراهيم وزهور القرآن) وهو من الداعين إلى السلام وحماية الإنسان ونبذ العنف، حتى أنه يسبغ على بعض أفكاره مسحة صوفية رغم أنه مثقف ملحد، بتأثير من والديه (المعروف غالباً أن الآباء مؤمنون والأبناء ملحدون!) لكنه تحول فيما بعد إلى مسيحي، لكن هذا الكاتب عالج موضوعات متنوعة أخرى مثل الحب والفقر والحياة اليومية في العالم المعاصر.
عُرف شميت، لأول مرة، كاتباً مسرحياً في مسرحيته (La nuit de Valognes – ليلة فالوغنس) التي أنتجت وعرضت مرات عدة، خلال عامي 1991 – 1992 في فرنسا وخارجها، أما عمله المسرحي الثاني فهو اختراق فني لفت إليه الأنظار بقوة وكان بعنوان (الزائر) الذي حصد عليه جائزتي موليير للمسرح كأحسن كاتب وأحسن عرض عام 1993 – 1994.
إحدى القارئات علقت على الرواية بأنها لم تعجبها لأن المؤلف تحدث عن شخصية عربية كعربي، وهذا يشبه، في نظرها، أن يكتب المؤلف/ الرجل على لسان بطلته المرأة. وتقول: لا ينبغي للمؤلف أن يحشد في روايته الكثير من الأفكار السياسية.
قارئة أخرى قالت إنها تشتري أي كتاب لهذا المؤلف ما إن أراه، لأنها تتوقع قراءة ممتعة، وهذا الكتاب لم يخيب أملها مع سعد في رحلته الصعبة وهو يعبر حدود البلدان مروراً بمصر وتونس ومالطا وصقلية ثم فرنسا، حتى بلوغ المملكة المتحدة.
يوليسيس من بغداد
[post-views]
نشر في: 26 أغسطس, 2013: 10:01 م