اصبح العالم العربي بفعل التحولات التي طرأت على موازين القوى بين الناس والحكومات والأنظمة المستبدة، رمالاً متحركة، يترنح فيها ساسة وقوى ورجال دولة، وأشباه رجال دولة، ظلوا طوال عقود يوهمون انفسهم، بأن الدنيا مطواعة لهم، تُسيِّجُ كراسي حكمهم بتمائم ال
فخري كريم
اصبح العالم العربي بفعل التحولات التي طرأت على موازين القوى بين الناس والحكومات والأنظمة المستبدة، رمالاً متحركة، يترنح فيها ساسة وقوى ورجال دولة، وأشباه رجال دولة، ظلوا طوال عقود يوهمون انفسهم، بأن الدنيا مطواعة لهم، تُسيِّجُ كراسي حكمهم بتمائم الحفظ والصون. يرفعون في مكاتبهم شعار باشانا المرحوم نوري السعيد "بيت السيد مأمونة"!
ومع ان الانتفاضات الشعبية الهادرة، اطاحت الانظمة الشمولية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وتمور الحياة بها في اكثـر من بلد عربي آخر، فان من ظفروا بالسلطة في هذه البلدان، كما يبدو، لم يتعظوا بالدروس التاريخية التي كانت وراء فوزهم بها.
وتطاول بعضهم على القيم التي أفرزتها، وحاول إعادة إنتاج أنماط "مكيفة" لما ثار الشعب عليه. هكذا فعل الإخوان المسلمون ودميتهم محمد مرسي، وهكذا تتصرف حكومة حزب النهضة في تونس. ولم تتوقف دروس تجربة الارادة الشعبية، وغطرسة المتجاوزين عليها، وإيغالهم في الغلو وأوهام السلطة وإغراءاتها، حتى بعد انهيار حكم المرشد في مصر، تحت ضغط الشوارع والميادين والتفويض الشعبي. فالغنوشي وحزبه يستمران في المراوغة والتسويف في محاولة فاشلة لتنفيس الضغط المتصاعد، وإجهاض الانتفاضة الشعبية التي تطالب بالوسائل السلمية، بإسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي، بعد فشلهما في ايجاد الحلول للازمات الاقتصادية والاجتماعية، ولجم المنظمات الاسلاموية المتطرفة، المسؤولة عن اغتيال الشخصيات الوطنية المعارضة في وضح النهار، وفضح القائمين عليها، ودورهم في ترويع القوى المجتمعية المدنية الديمقراطية، والعلمانيين المطالبين بإقامة دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، المبنية على قاعدة المواطنة الحرة المتساوية.
حكام عراقنا الجديد، المبتلى بسلطان جائر، متلبسٍ بوهم العظمة، وممسوس بكرسي الحكم الدائم، يتصرف على هواه، وكأنه خارج دائرة الرمال السياسية المتحركة. لا يبدو عليه، في عز الازمات المتفاقمة، انه مرصودٌ، وأنه ليس معفياً هو وحوارييه وأطقمه الفاشلة من المساءلة، التي لن تسقط بتقادم الزمن. وربما استنام على تقديرٍ خاطئ، لا يمكن عزله عن التفكك الذي تشهده العملية السياسية، وتشظي قواها وتمزق أطرافها، في "استغابات" عرضية، شّلتها وجعلت من حراكها، وكأنه ليس سوى "زوبعة في فنجان" لن تستطيع غير الدوران في حلقة مفرغة، تعيد إنتاج نفسها، المعنية والمسؤولة والمتواطئة، على ادامة ومفاقمة ازمة البلاد.
وقد يساعد على المضي في الاستهتار بالحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، صراحة للعراقيين، مرور الجرائم التي أوعز بارتكابها رئيس مجلس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة، ضد المتظاهرين في ساحة التحرير ومنصات الاحتجاج الاخرى في انحاء البلاد، دون ان تضعه امام مساءلة القانون، او من قبل مجلس النواب، الخائب او المخيب، المفجوع باحتمال خسارة رواتب وامتيازات أعضائه. وكما استغبى الحكام الذين أسقطتهم الانتفاضات الشعبية في بلدان الربيع العربي، الذي اراد الاخوان والتيارات المتأسلمة "تخريمه" وإجهاضه، فان الاستبداد الشرقي، العراقي "الوصفة" وهو في حالة السيرورة الفاشلة، ليس من شيمته الاتعاظ او التبصر بمآل سلطة الجور والطغيان، ولا التوقف عند دروس التجربة التاريخية ورصيدها، حتى وان باتت ملامحها راهنة ومعاشة، تملأ السمع والبصر والوجدان.
واذا كان كل ذلك مجرد هواء في شبك، فلا بأس ان ينتبه المتظاهرون الذين يلاقون الرفض والتلميح بمواجهتهم بالقمع، الى مواقف الولايات المتحدة الاميركية واوربا، ووسائل إعلامهما والامم المتحدة، من اقدام الحكومة المصرية على انهاء اعتصام الاخوان المسلمين في رابعة العدوية والنهضة. وبغض النظر عن ازدواجية معايير هذه الجهات الدولية، وانكشاف تواطؤها مع المخطط الاخواني، فامام الشباب العازم على التظاهر يوم السبت القادم، للمطالبة بتجريد ظاهرة الفساد المستشري في الدولة ومؤسساتها، من احدى مظاهرها المخجلة، المتمثلة بالرواتب والامتيازات التي يحظى بها النواب واصحاب الدرجات الخاصة، تجربة هذه المعايير المزدوجة من مواقف هذه الدول ووسائل الإعلام، من تعرض مظاهرتهم السلمية حقاً، المنزهة عن اي جنوح "بعثي" او "إرهابي"، كما اعتمدهما رئيس مجلس وزراء المنطقة الخضراء في المرات السابقة، وكما كانت عليه مظاهرات الإخوان في مصر، من ترهيب وحرق واستخدام كل أنواع السلاح والعتاد ضد الجيش والقوات المسلحة والمواطنين وممتلكاتهم، وحتى ضد المعابد والكنائس.
ان التوسل بموقف الأوساط الدولية التي تدعي الدفاع عن حق التظاهر وحقوق الانسان، ما دام استخدامه سلمياً ودستورياً، لا يمثل استدعاءً للتدخل الخارجي، كما يمكن ان يثيره انصار دولة القانون المعادون بامتياز لحرية التعبير عن الرأي، كما دلل عليه سلوكهم وانحيازاتهم ومواقفهم طوال السنوات السابقة، بل هو تأكيد لمشروعية، اكسبها المجتمع الدولي ومواثيق الأمم المتحدة المقرة والموقعة من العراق، ومناسبة لفضح النهج المعادي لمضامينه من قبل القابضين على السلطة الجائرة اليوم.
ومهما كان العدد الذي سيختار الانضمام إلى المتظاهرين السلميين، فان إنجاح التظاهر، إنما هو تمهيد للارتقاء بمستوى استعداد الناس ورفضهم للامعان في إنكار حقوقهم واحتياجاتهم والضيم اللاحق بهم جرّاء التفرد بالسلطة، واشكال التمييز والاقصاء والإهمال الذي يتعرض اليه الشعب بأدوات الحكم الحالي.
وليس اقل من ذلك، تذكير الحاكم واجهزته الامنية، وقوات سوات المطوعة، ان ممارسة الاعتداء على المتظاهرين، بأي وسيلة كانت، او ترويعهم او الحيلولة دون تعبيرهم عما يريدون، هو تجاوز على الدستور، يعرضون بمخالفته أفرادهم للمقاضاة والمساءلة القانونية، مهما تقادم الزمن.
مظاهرة ٣١ آب المصادف يوم السبت القادم، مناسبة جديدة للتأكيد على ان ارادة الشعب المحمي بالدستور، هي مصدر الدستور، وأمام السلطة الحاكمة اخذ ذلك بنظر الاعتبار.
ومهما طال الزمن، وراك يا ظالم.
جميع التعليقات 3
متاضل العراقي
المالكي والاسطوانة المشروخة ,,,,,,,,,,من هم القاعدة والبعثيون الذين يفجرون ويقتلون لا يتظاهرون لئنهم موجودون في البرلمان والحكومة ولا يحتاجوا للتظاهر فقط المحرومين والمهمشين والمساكين هم الذين لا حول لهم ولا قوة الا بالتظاهر فمن المعيب على رئيس الوزراء وا
ابو خلدون
الحكومة والاسطوانة المشروخة نعم انها حكومة كارتونية وفاسدة بامتياز .فقط يحتاج همة الشباب لقلع هذه الحكومة الفاسدة لتلحق بالنظام السابق هؤلاء اسؤ من السرطان, والسرطان لا يفيده شئ الا الاستئصال.الحكومة الحالية تجند الالاف لحماية الزوار ولكن مثل النعامة ت
yaseer mahamed
نعم وموكد لابد لتحرر من تجميد العقول على اساس المذهبيه او العرقية لذالك لابد من المشاركه في هذه العرس الذي سيلعب دوره الكبير الشباب المثقف والواعي شباب التغير الذي يهمش ويقتل في كل يوم ومن جميع الطوائف