في طول التاريخ البشري وعرضه لم يتحقق أي نصر موهوم.. كل الانتصارات كانت واقعية وحقيقية، ان في ساحات الحروب او في مناحي الحياة المختلفة. من المفارقات ان حكومتنا تسعى لتحقيق نصر موهوم، للتخفيف من الرصيد المرهق لفشلها المتكرر.. انها تحتاج الى نصر كهذا لتطمين نفسها الى ان الفشل الذريع ليس بالضرورة حليفها في كل حين ومجال، الأمن والاقتصاد والخدمات والادارة، وسواها.
من دون تردد صدر الأمر "السامي" من الحكومة الى "أهل البيت" في وزارة الداخلية برفض طلب التظاهر يوم السبت المقبل الذي تقدمت به اللجنة المنظمة للحملة الشعبية من أجل الغاء او الحد من الرواتب التقاعدية والامتيازات الباذخة لاعضاء مجالس النواب وسواهم من اصحاب المناصب والدرجات العليا في الدولة. تعتقد الحكومة ان الرفض سيحول دون تنظيم التظاهرات، وهي بذلك ستكون منتصرة على الارادة الشعبية. واذا حدث وخرج المتظاهرون الى ساحة التحرير أو سواها في اليوم الموعود فان قوات "سوات" وسائر القوات المتربصة والمتحفزة، الموكلة اليها مهام القمع والبطش، ستعرف "شغلها" على "خير ما يرام" من ضرب واعتقال وتلفيق تهم، وستحقق للقائد العام وقائد عمليات بغداد ووزير الدفاع بالوكالة والوكيل الاقدم لوزارة الداخلية وجنرالاتهم شعوراً زائفاً بالنصر، بعدما عجزوا عن تحقيق أدنى نصر على جماعات الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات ومافيات الفساد المالي والإداري وغسيل الاموال.
مع عدم تشريع قانون ينظم عملية الاجتماع والتظاهر السلمي حتى الآن، لا يوجد ما يحول دون تنظيم تظاهرات السبت المقبل السلمية. الدستور كفل حرية التظاهر في نص واضح وصريح ومباشر، وأي عمل ستقوم به أية جهة لمنع تظاهرات السبت أو اية تظاهرات سلمية أخرى، سيكون انتهاكا سافراً للدستور، وانتهاك الدستور يقتضي المساءلة العاجلة أمام مجلس النواب والشكوى الفورية لدى القضاء.
الحملة الشعبية بشأن الرواتب والامتيازات حظيت بتأييد أوساط شعبية واسعة، ومثلها من النخبة (هيئات دينية في مقدمتها المرجعية العليا، ونقابات واتحادات ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات وهيئات ثقافية وعلمية وأكاديمية وفنية مرموقة)، وهي بهذا تكتسب شرعية تعزز شرعيتها الدستورية. وسيكون من حسن طالعنا، عندما نتجمع في ساحة التحرير يوم السبت، أن نواجه بإجراءات قمعية من قوات القائد العام وجنرالاته، فهذا سيرسخ الفكرة العامة عن فشل هذه الحكومة، ومن مظاهر هذا الفشل وقوفها ضد تطلعات الشعب نحو حياة آمنة ومستقرة ومرفهة، وهو ما كان يمكن تحقيقه منذ سنوات لو كانت الحكومة غير هذه الحكومة ولو كان قادة الأمن والدفاع غير القادة الحاليين المتخم رصديهم بالخيبة والفشل في مكافحة الإرهاب والعنف والجريمة.
لا ينبغي لأحد أن يخشى مما يمكن أن يقع يوم السبت.. سلب حقنا في التظاهر السلمي يشبه سلب حقنا في الحياة.. وكل ما ستفعله قوات الحكومة سيكون مكشوفاً للرأي العام المحلي والخارجي.. آلاف الكاميرات ستنقل ما سيجري بالتفصيل أولاً بأول، كما حدث في ساحات التحرير المصرية والتونسية واليمنية والليبية والسورية، وفي ساحات تحريرنا أيضاً أثناء تظاهرات 2011 المجيدة.
لا بد من الإشادة بالموقف الشريف لمحافظ بغداد الجديد السيد علي التميمي الذي نطق بكلمة الحق إذ انتقد موقف وزارة الداخلية، ومن خلفها الحكومة وجنرالاتها وقائدهم العام، مؤكداً انه ليس من حق أي جهة منع التظاهر السلمي كونه حقاً دستورياً.
لو خُليت قُلبت.