TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بيان أم رسالة تهديد؟

بيان أم رسالة تهديد؟

نشر في: 27 أغسطس, 2013: 10:01 م

يبدو أن وزارة الداخلية اقتنعت أخيراً بانه يتعين على مسؤوليها الكبار أن ينزلوا من عليائهم ويتواضعوا ويتصرفوا بوصفهم موظفين في الدولة التي هي دولة الشعب وليست اقطاعيتهم الخاصة، فيخاطبوا الشعب أو فئات منه، وإن في صيغة الوعيد المغلف بالشعارات.
لكن الوزارة التي صمتت دهراً، وبخاصة حيال مسيل الدم المتدفق من العراقيين،  نطقت كفراً في البيان الذي اصدرته أمس بشأن التظاهرات المزمع إجراؤها يوم السبت المقبل للمطالبة بإلغاء أو الحد من الامتيازات الكبيرة الممنوحة لأعضاء مجلس النواب وسواهم من مسؤولي الدولة الكبار، وباصلاحات في العملية السياسية وادارة الدولة وخاصة في مجالي الأمن والاقتصاد.
الوزارة تقرّ، في بيانها، بالحق المكفول دستورياً في التجمع والتظاهر والتعبير عن الرأي، لكنها تريدنا ألا نتمتع بهذا الحق بحجة ان "ظروف البلاد العصيبة والتحديات الأمنية الجسيمة واكتظاظ شوارع وساحات العاصمة الحبيبة بسبب الإجراءات الاحترازية" لا تسمح بهذا الآن، وان "هناك من يتربص بالمواطنين الدوائر ويحرص على استهدافهم باعتداءات اجرامية دموية تزيد المشهد الأمني والسياسي في البلاد تعقيداً، وتضيف الى البلاد مشاكل القلاقل والفتن التي هي في غنى عن المزيد منها"، وان "مطالب من يريد التظاهر قد وصلت إلى أسماع السلطات السياسية والتشريعية والتنفيذية في البلاد"!
 بعيدا عن الكلمات المنمقة والجمل الإنشائية المثقل بها البيان، فانه في الواقع رسالة تهديد للذين يعتزمون التظاهر يوم السبت المقبل. التظاهر غير مسموح به، ولكن ليس أي تظاهر... التظاهرات التي يتذكر منظموها فجأة القدس المحتلة ويومها ذريعة لرفع صور الزعماء الأجانب الاحياء والأموات، مسموح بها، فالمنظمون هنا موالون، والولاء لدولة الرئيس مُقدّم على كل حق دستوري.. وقبلها استعراضات الميليشيات مسموح بها أيضاً، بل مرغوب فيها بشدة لأنها تنطوي على رسالة تهديد وإغاظة الى المنافسين والخصوم.
في عرف الداخلية ومَنْ وراءها، تظاهرات الموالين واستعراضات الميليشيات (البديلة) تجري في الفضاء الخارجي، فلا تؤثر أو تتأثر بظروف البلاد العصيبة والتحديات الأمنية الجسيمة ولا علاقة لها باكتظاظ الشوارع والساحات  في العاصمة "الحبيبية" (أعجبني كثيراً هذا التعبير الصادر عن وزارة الداخلية التي لديّ فكرة متأصلة عن أنها والحب في خصومة منذ الأزل والى الأبد).
من دون تظاهرات ومن دون اعتصامات ومن دون استعراضات لغير الموالين، يمارس الإرهابيون براحة وحرية طقوس القتل والتدمير يومياً .. نعم يومياً من دون أي مبالغة، والداخلية، ومعها الدفاع ، تظهر مستسلمة وخانعة وخاضعة لما يبدو انه قدر محتم للعراقيين. وإذ نتفحص نجد ان خيوط هذه الراحة والحرية تمتد الى التواطؤات الجارية في الداخل. فبماذا ينفع عدم التظاهر الذي تريده الداخلية؟
رسالة التهديد وصلت.. ولا أظن أنها ستفتّ في عزيمة الشباب الفائر دمه من اجل وطنه ومستقبله ومصيره الموضوعة جميعاً على كف عفريت للعام العشر على التوالي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. سهام داود

    انفجارات اليوم خير دليل على ان الحكومة الحالية لاتريد ان يتظاهر احد لانها حريصه جدا على سلامة المواطن ؟ والحليم تكفيه الاشارة

  2. hisham mahmud

    عجبي من ان السلطات الامنية توفر الامن والحماية للزيارات المليونية ولمدة تزيد عن العشرة ايام وبمئات الملايين من الدولارات ولا تتمكن من حماية الالاف ولمدة يوم واحد.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram