(2 ـــ 2)ولأجل استكمال الصورة التبريرية للأحداث لم ينس مسلسل "الولادة من الخاصرة " في جزئه الثالث "منبر الموتى " ان يقدم رسالة غزل مباشرة يوجهها للجيش من خلال شخصية الضابط الوطني المقدم فايز (الفنان ماهر صليبي ) ، فالجيش هنا نجده وطنيا بامتياز ، يرفض
(2 ـــ 2)
ولأجل استكمال الصورة التبريرية للأحداث لم ينس مسلسل "الولادة من الخاصرة " في جزئه الثالث "منبر الموتى " ان يقدم رسالة غزل مباشرة يوجهها للجيش من خلال شخصية الضابط الوطني المقدم فايز (الفنان ماهر صليبي ) ، فالجيش هنا نجده وطنيا بامتياز ، يرفض منتسبوه اقتحام البيوت وتعنيف الناس ، ويتعارض مع سياسات رجال الأمن التي تدعو للمزيد من العنف ، وكأن رجال الامن تابعون لدولة ثانية والجيش لدول اخرى ، وليس مرتبطان بسياسات نظام حكم واحد يقوده حزب واحد . ان حجم التبريرات وتكرارها جاء منفرا ، وبشكل لا يتناسب مع ما ذكر بأن السلطات السورية اعتقلت الكاتب بسبب المسلسل ، خصوصا الابتذال في النقاشات السياسية التقريرية التي جاءت على لسان شخصيات بسيطة لا تملك مقومات تلك اللغة السياسية ، ومنها الذي كان يجري على لسان ام المجند عزام (الفنانة سمر سامي ) وام المجند نوار (الممثلة مي سكاف) ، حيث حاول المسلسل ان يجعلهما صوتا لطرفي الصراع وانتهى المسلسل بصورتيهما تتقاسمان الشاشة .
لم ينجح المسلسل بتوفير الاقناع الدرامي للكثير من الاحداث التي تناولها ، فشخصية جابر ( الفنان قصي الخولي) ومن خلال الجزء الاول والثاني كانت شخصية بسيطة ، متواضعة في وعيها السياسي ومداركها ، بحيث يسهل استغلالها من قبل الاخرين ، لكنه فجأة في الجزء الثالث يتحول الى قائد سياسي وقائد ثورة وانسان مفوه وذي حكمة متميزة . ولم توفر بعض الاحداث والمشاهد المفبركة منطقا مقنعا للمشاهدين ، فلا يعقل ان المجند عزام (الممثل سامر إسماعيل يذكره المشاهد في دور عمر الخطاب ) والمصاب بطلق ناري لا يتأثر بالنزف ، خصوصا انه معرض لاخطر انواع النزف وهو النزف الداخلي ، ونجده يبقى حيا لفترة اكثر من يوم من دون اسعافات ملحوظة ، بل وحتى بعد اكتشاف عدم موته لم نر اسعافا طبيا مقنعا، سوى مسح وجهه بقطع الشاش، لم نر ادوية او قناني مغذي او استخراج رصاصة . اضافة الى ان هذه الفوضى في رسم الشخصيات ، دفعت لظهور شخصيات جديدة غير مقنعة ، مثل شخصية الدكتورة لمى (الممثلة لينا كرم)، فهي دكتورة نفسية كان المتوقع ان تقوم بدراسة شخصية المقدم رؤوف ، لكن احداث المسلسل اظهرتها بشخصية امرأة هوى لعوب ، علمت المقدم على تعاطي الحشيشة وهي الطبيبة ، وحاولت اختطافه من زوجته صديقتها الدكتورة سوزان ، لكن المقدم رؤوف الذي انقاد لشهواتها واغراءاتها على مدار احداث اكثر من عشرين حلقة فجأة ودون مقدمات يكتشف تجسسها عليه وتعاملها مع المجموعات المعارضة وتسريبها الاخبار والمعلومات لهم ، وخلال أقل من دقيقة من التفتيش السريع لمكتبها عثر على جهاز التسجيل، حيث لم تكلف الجاسوسة نفسها عناء إخفاء وإبعاد أدلة تورطها ، اما صديقتها الطبيبة سوزان التي تعرفنا عليها في الاجزاء السابقة امرأة قوية (تمثيل المخرجة رشا شربتجي ) ، وتحاول ترويض المقدم رؤوف المتنمر ، ففي هذا الجزء (أدت الدور الفنانة اللبنانية نادين الراسي ) انقادت لكل رغبات العقيد رؤوف ، بما فيها طلبها منه الزواج منها ، ولتكون أمامه وبدون تبريرات منطقية مجرد امرأة تابعة وخانعة ، بما في ذلك سجنه لها في بيته وغيابها لأيام دون ان يبحث عنها احد أو يسأل وهي الطبيبة في مستشفى عام . هذا ناهيك عن تلك المصادفات الميلودرامية التي شبعنا منها في الافلام الهندية، فالمجند عزام ، الذي يصبح متمردا على الحكومة نتيجة ما لاقاه من عنف على يد المقدم رؤوف ، وانتقاما لكل الضيم الذي واجهه وافراد عائلته يقتل ـ وصدفة ! ــ المقدم فائز الضابط في الجيش الوطني النظيف الوحيد الذي عطف عليه وساعده واحترم والده وعائلته وكان يتصرف على النقيض من المقدم رؤوف وقتل معه المجند نوار ( الممثل طارق حلوم) ، ثم يقتل المجند عزام على يد قوات الجيش المهاجمة وفي المشرحة تقرر ام المجند نوار (الفنانة مي سكاف) ان تأخذ جثة المجند عزام اذ لاحظت انه لا يزال حيا ، وتدعي انه ابنها نوار لانقاذ حياته دون ان تدري بأنه قاتل ابنها نوار!! ـ الم اقل لكم انها تذكر بالميلودراما الهندية ! ـ . ربما الشخصية الوحيدة التي نمت بشكل طبيعي وحافظت على توازنها الدرامي على طول حلقات المسلسل بأجزائه الثلاثة هي شخصية ابو مقداد (الفنان فادي صبيح) ، اذ بقي انتهازيا وصورة نمطية للمنتفع الذي يمكن استغلال اي فرصة لاجل المال ومستعد لبيع نفسه وللغدر بأقرب الناس اليه ولارتكاب اي جريمة، بما ذلك القتل وبدون اي وازع أخلاقي .
أن حجم التبريرات والفبركة والمصادفات التي حملها المسلسل ، ودفع الشخصيات لتتحدث بما يفكر به صانعوا المسلسل ، لعكس وجهات النظر التبريرية ، عما يجري من احداث ، بالرغم من محاولة الظهور بالموقف الحيادي من خلال عرض الجانبين المتصارعين في الاحداث السورية لم تنجح بالنهوض بواقع المسلسل ، ففي المجمل لم نر سوى لوحة قاتمة لفساد مستشر في صفوف القوات الامنية وصفوف المعارضة ، لم نر هناك وقفة جادة امام اسباب تفجر الاحداث وتشريح لمسؤولية الطرفين ، ناهيك عن غياب لاي طرف اسلامي في احداث المسلسل، وهذا يتعارض تماما مع الواقع الجاري في المدن السورية حيث تتسيد حاليا الجماعات الاسلامية بالوانها المختلفة المشهد المعارض للسلطة ، بحيث صدرت احاديث من بعض الشخصيات والقوى المعارضة يتخوفون من "سرقة" الحراك الشعبي من قبل هذه المجموعات . ان كل هذا الذي استعرضناه نعتقده غير كاف لصنع عمل درامي فني !