تتشابه أجواء "سوريا الأسد" هذه الأيام، مع ما ساد العراق قبل تعرّضه لهجمة أطاحت نظامه البعثي، ودمرت بُناه التحتية، وزرعت فيه بذرة الفتنة الطائفية، وأسلمته لمتوالية من الفساد لاتنتهي، وأسلمت مقاليده لقوى إقليمية متنافرة، فالنظام البعثي في دمشق يتصرّف اليوم مثلما فعل البعث الصدامي، ويُهدّد بإشعال المنطقة، رغم عدم امتلاكه ما كان بيد البعث العباسي القومي من تأييد جماهيري عربي، مأخوذ بوعود محو إسرائيل، رغم أنّ العديد من الدول العربية قدمت لقائده الضرورة طوق نجاة رفضه بعنجهية، فدفع الثمن بالصاع الأوفى، لكنه دفّع العراقيين أثماناً غالية من الدم والفوضى، وضياع الأمل بوطن مستقر.
البعث السوري لم يقرأ التجربة العراقية بتمعّن، حتّى أن بعض مؤيديه يدعو السوريين لتشكيل دروع بشرية تلتف حول قلاع النظام، لمنع التحالف الغربي الذي يتشكل بسرعة الضوء، من استهداف مفاصل النظام، بعد أن بذل هذا التحالف جهوداً استخباريةً مطولةً على مدى العامين الماضيين لتحديدها، ولا يختلف أداء وزير الإعلام السوري، عن أداء سيئ الذكر الصحاف، الذي هرّج طويلاً، فيما كانت الدبابات الأميركية تجوب شوارع عاصمة الرشيد، فالزعبي يهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور، في حين ستثبت الأيام عجز نظامه عن الصمود في وجه الآلة الحربية الضخمة، التي تتحضر للانقضاض عليه، ولعله لم يسمع بعد أن حليفه الروسي أعلن أنه لن يخوض حرباً للدفاع عن نظام الاسد.
هل فات الوقت على إنقاذ الدولة السورية من الدمار والتفكك، دفاعا عن نظام لم يُحسن سياستها، وانصرف للعب أدوار دونكيشوتية على مستوى الإقليم، وترك لأزلامه كل الفرص لاشاعة الفساد، والإثراء على حساب المواطنين الممنوعين من تنفس نسائم الحرية والديمقراطية، ووضع مقاليد البلاد بيد رئيس وصل إلى موقعه بالصدفة، دون أن يكون مؤهلاً لممارستها بالشكل السليم، فاعتمد على نفر من أبناء عائلته شأن أي دكتاتور، واستمرأ هؤلاء اللعبة، فاعتبروا سوريا مزرعتهم الخاصة، وتعاملوا مع السوريين بفوقية لم يكونوا أهلاً لها، وعبثوا باقتصادها ليكون فقط مصدراً لثرواتهم، التي تكدست بشكل استفزازي.
يرى الكثير من المراقبين أن الفرصة ما زالت متاحة لتجنيب سوريا دماراً يُعيدها 100 سنة إلى الوراء، ويُمزق نسيجها الاجتماعي، ويحول جغرافيتها المتماسكة حتى الآن إلى إمارات تكفيرية متناحرة، وتتمثل هذه الفرصة بواحد من أمرين أولهما أتخاذ الأسد قراراً شجاعاً بالتنحي، وترك الحكم ومنح الشعب فرصة اختيار شكل نظامه الجديد، وهذا الخيار مستبعد في ظل فهم الأسد أنه مبعوث العناية الإلهية، وأن سوريا لاتعني شيئاً بغيابه، والثاني أن يتصدّى نفر من الضباط الوطنيين لقيادة البلاد بشكل مؤقت، بمعنى الانقلاب عسكرياً على النظام القائم، مع ما يمكن أن يرافق ذلك من تضحيات يدفعها الشعب السوري، لكنّها تظل أقل بكثير من الكُلف المتوقعة من ضربة عسكرية غربية ضد نظام الأسد.
بين هذين الخيارين على صعوبتهما، ستظل سوريا بانتظار ضربة تطيح آمال شعبها بمستقبل أفضل، وربما يتحول الإقليم بمجمله إلى ساحة فوضى، لن تكون الطائفية غير واحد من تجلياتها، وستكون المنطقة رهن إرادات خارجية تفتش عن مصالحها، فهل هذا ما يريده الأسد أو ما يقبله حماة الديار، سؤال لن ينتظر الإجابة طويلاً، فهل من مجيب؟.
لتجنيب سوريا الدمار
[post-views]
نشر في: 28 أغسطس, 2013: 10:01 م