يعيش العراقيون هذه الأيام عصر غياب السياسة لتحل مكانها الانتهازية والعشوائية، في هذا العصر السعيد صار البعض يفاجئنا بمواقف كوميدية تجعل المرء يضحك مرة ويبكي على حاله مرات عدة. منذ تفجرت قضية رواتب النواب والدعوة التي انطلقت لتظاهرات 31 آب، والحكومة تحاول بكل طاقتها وعبر سلسلة من مقربيها الأنيقين، ان تنشغل بتوصيف شباب التظاهرات , هل هم يمثلون أجندات أجنبية مثلما أتحفنا أحد خبراء علم الأجناس، أم هم مجموعة متآمرين يسعون لتعطيل ساعات الحكومة الثمينة التي كلفتنا سنين من أعمارنا، أم أن الأمر مؤامرة يهودية يقودها الموساد الإسرائيلي الذي بدأ يستهدف الساسة العراقيين، كما أخبرنا أحد النواب الأعزاء الذي أثلج قلوبنا بكشفه السر الغامض وراء الدعوة لتظاهرات تندد بالفساد والمفسدين، حيث قال لا فُضّ فوه: "إن هناك مؤامرة يقودها الموساد لإجهاض التجربة السياسية في العراق "؟
يعتقد البعض بسذاجة شديدة أن مجرد تغيير توصيف الكذبة سيحل المشكلة، وكأن الخلاف على توقيت التظاهرة، مجرد خلاف لغوي، وليس جرائم سياسية وأمنية ارتكبت بحق شعب ذنبه الوحيد أنه صدّق شعارات دولة القانون، وخطب المالكي النارية!
مشكلة الحكومة المزمنة أنها دائما تخبئ رأسها في الرمال عند ظهور أية مشكلة، ويسعى مقربوها إلى تزويق الألفاظ وإخفاء الحقائق، الذي أصبح منهجا يسير عليه الجميع،بل ذهب البعض أكثر من ذلك بأن تطوع لتجميل المشاكل.. المهم هو الإخفاء وليس الحل..المهم أن تبقى الأجواء ساخنة لكي يتاح للجميع أن يصبحوا نجوما تلفزيونيين يملكون أكبر خزين ستراتيجي من الكذب والخداع، بينما الناس تختنق من وقف الحال وتعطيل الحياة وعدم الاستقرار، وإذا جمعنا تصريحات المسؤولين وأضفنا لها نكات السياسيين وابتسامات بعض المقربين سوف نكتشف أننا نعيش في أجمل وأسعد بقعة على الأرض، وأن مشكلة الناس عندنا أنهم يعانون من الديمقراطية الزائدة حتى أصيبوا بالتخمة.
بهذه الخلطة هبط علينا رئيس الادعاء العام القاضي غضنفر حمود الجاسم في بيان ثوري طالبنا فيه بأن نتحلى بالمسؤولية وان نعرف ان هذه الحكومة تسهر الليل وتقوم النهار من أجل راحتنا.. ولهذا مطلوب منا أن لا نحرق الأخضر واليابس من أجل عيون متظاهرين شباب يريدون العبث بأمن الوطن. وبدلا من أن يخبرنا المدعي العام عن المخالفات القانونية التي يرتكبها الكثير من المسؤولين، وحجم الأموال التي نهبت خلال السنوات العشر الماضية، ويتوعد بالاقتصاص من المفسدين، ويطمئن العوائل العراقية التي باتت تخشى على مستقبل أبنائها، وأن القضاء عين ساهرة لحماية أمن واستقرار البلاد، بدلا من هذا كله حاول المدعي العام أن يمارس هواية "لفلفة" الأمور عبر طرق ووسائل متنوعة صار المواطن العادي يحفظها، ففي بيان كوميدي قال غضنفر "لا مجال للاعتصام و التظاهرات إلا على وفق القانون ولنقل أجلوها إلى وقت الأمان والاستقرار ولنبني الوطن بالنقد البناء والتصحيح القويم".
ولم ينسَ أن يحذرنا: أن لا عذر لمن أنذر.. ونسي السيد المدعي العام أن دولة القانون التي اقامها نوري المالكي، لم يحصد من ورائها المواطن سوى تفجيرات متلاحقة، واغتيالات مباحة وبلد مشرَّع على خطاب الموت.. لماذا يرفض السيد غضنفر أن يرى الناس تهتف ضد المسؤول وليس له.. لماذا لا يريد أن يعرف أن تركيا انتفضت على الرغم ما حققته حكومتها من اقتصاد مزدهر، والبرازيل اشتعلت بسبب زيادة قليلة على سعر تذكرة الباص، وحتى مدينة هادئة مثل جنيف تحرك سكانها ضد مخالفات بسيطة ارتكبها بعض المسؤولين.
السيد المدعي العام: تعلّمت الجماهير أن تخرج من أجل حريتها، لا من أجل مسؤوليها.. لم تعد الناس تطيق أن يُكذّب عليها، وان حل المشاكل يبدأ من طرحها للنقاش ومواجهة الأخطار تبدأ بفتح حوار حولها.. ولا أمل في أي إصلاح إذا تمسكنا باستخدام مساحيق التجميل الرخيصة، فإنها في النهاية ستظهر العيوب أكثر مما تخفيها.
مساحيق المدّعي العام!
[post-views]
نشر في: 28 أغسطس, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
رمزي الحيدر
الشعب قابل بهذه المهزلة ، أنت ( ليش خابص نفسك ).