يتواصل اعتصام الأنبار دون ان يحقق المحتجون الأهداف التي اعلنوها في بداية اعتصامهم. ويُحسَبُ للقيادة المشرفة على الاعتصام، بعد ان توطن في بيئة محتقنة مهمومة، الحفاظ على طابعه السلمي. وسعيها، بغض النظر عن مدى نجاحها، لإيجاد حواضن أخرى لشعاراتها وأهدا
يتواصل اعتصام الأنبار دون ان يحقق المحتجون الأهداف التي اعلنوها في بداية اعتصامهم. ويُحسَبُ للقيادة المشرفة على الاعتصام، بعد ان توطن في بيئة محتقنة مهمومة، الحفاظ على طابعه السلمي. وسعيها، بغض النظر عن مدى نجاحها، لإيجاد حواضن أخرى لشعاراتها وأهدافها التي ترى أنها تصب في مجرى إخراج العملية السياسية من أزماتها، وإيقاف التدهور في الوضع الأمني.
وكلما امكن توسيع دائرة الاحتجاجات، وتحويلها الى حوامل شعبية عابرة للأمكنة والطوائف، وخلق آليات استمرارها وديمومتها، كان من شأن ذلك توفير المزيد من عناصر الاحتجاج الوطني العام، وترتيب اصطفاف وطني واسع يخرج اعتصام الأنبار، وصلوات الجمعة المشتركة في نينوى وغيرها من مساجد البلاد، من طابعها الذي بدا محلياً معزولاً، مكاناً واهدافاً، الى رحاب مظلة عراقية وطنية، تغتني بما يتميز به من تعدد وتنوع.
وليس في هذا التوجه أي افتعال او استعصاء. فالبلاد كلها تصبح يوماً بعد آخر، ساحة مفتوحة للاستباحات، تنوش المواطن، بغض النظر عن مكونه المذهبي او المناطقي او توصيفاته الاخرى، دون ان تبالي الحكومة بما يتعرض له، او يرف لها جفن او يرتعش لمسؤوليها المتنفذين، ضمير. وقد تناسى الناس، وهذا ما ينبغي التوقف عند مغزاه، سوء أحوالهم المعيشية وانعدام الخدمات والماء والكهرباء، واستشراء الفساد والنهب والتعديات، لينشغلوا في بلوى الإرهاب الذي يطاردهم مثل الوباء، أنّى اتجهوا او تنقلوا، مرّوَعينَ قلقاً على ابنائهم وذويهم، وهم يمارسون مشاغلهم اليومية الحياتية الملحة.
ومن حق العراقيين كلهم، بعضهم على البعض، من أية نشأة كانوا، ولأية طائفة انتموا، ان يجدوا معاً الاطار المجتمعي الذي يزيح عن أرواحهم أشباح الغِّل والكراهية والاحتقان الذي يبدو الآن اكثر وضوحاً، ان هناك من يتقصد بدوافع سياسية مشبوهة، ان يزرعه في أوساطهم، وان يتعهده بالرعاية والإثارة، كلما انحسرت موجاته وتراجع تأثيره.
لم يعد مقنعاً أن يد القاعدة والمنظمات الإرهابية المسلحة، هي وحدها صاحبة الحول والصول والقدرة على اجتياز كل السيطرات والحواجز الكونكريتية والإلكترونية الزائفة، ولا مسالك لها في الحكومة او أجهزتها ودوائرها، او أعين وآذان وأيدٍ مدللة محمية نافذة، في هذا الطوفان من الجريمة المتنقلة بحرية في العاصمة ومدن البلاد كلها، مخترقة بيسر حتى المدن المقدسة المسّورة بكل الحصانات.
وتبقى الدولة الفاشلة، والحكومة المستنامة المسترخية، في حالة لامبالاة مثيرة للشبهات، لا فرق بين استهتار المعنيين العسكريين او الأمنيين، او قائدهم العام ومكتبه المشغول بمعاملاته التي لا علاقة لها بأمن المواطنين وقلقهم، المصانين من رعاتهم في الكتل النيابية، ما دام الجميع بات يرى فيما يجري من قتل يومي لمئات المواطنين، وتدمير لبيوتهم وممتلكاتهم، طقساً اوشعيرةً او تميمةً، تؤمن لهم ولعوائلهم السلامة والأمان، ولكراسيهم وامتيازاتهم "السحت الحرام"، الديمومة ولو الى حين .
لقد جرّب أهل الأنبار والغربية كلها، ونينوى وديالى، ان التكفيريين والمنظمات الارهابية المسلحة، لا تفرق حين يستتب لها الأمر، بين مكون إسلامي وآخر، فالكل كافر إلا اذا رضخ صاغراً طائعاً مستسلماً لأمرائها، مستكيناً لهم في كل ما له علاقة بالدين والدنيا. وقد تعرفوا على كثرة من هؤلاء الأمراء الذين لم يكن يجمعهم بالدين وفروضه وطقوسه الإيمانية جامع.
ومهما قيل من افتراء على أهالينا في الأنبار او مدن وقصبات الغربية، او نينوى، وحاول البعض من غلاة الملوثين بالطائفية، إساءة الظن بهم، فانهم يظلون في ذاكرة كل عراقي وطني، الامتداد المُشَرّف لأبطال ثورة العشرين، الذين رفعوا مع ثوار القصبات العراقية في الوسط والجنوب والفرات، مشاعل الثورة ضد المحتل البريطاني. ولابد ان بعض آثار "الطوب" الذي تقاذفته المواجهات بين الثوار والانكليز يومذاك، تؤشر لذلك المجد العراقي الوطني.
ان العراق لن يبقى عراقاً، دون ان يتشكل من النسيج المتلاحم للانبار ونينوى وتكريت، والبصرة والنجف والحلة والعمارة وكركوك وأربيل والسليمانية، وكل مدينة وقرية وحي عراقي. وخلاف ذلك التشرذم والضياع.
ومن حظوظ أهالي الغربية في هذا المنعطف الخطير الذي نجتازه، ان يكون لهم دور ريادي في حماية هذا العراق، ومده بأسباب الديمومة والنهوض. وقد كان لهم مثل هذا الدور المجيد، خلال السنوات التي تعرضنا فيها للاستباحة بأدوات القاعدة والمنظمات الإرهابية، عبر تصدي صحواتهم والأبناء البررة من أهالينا الذين تحملوا الأمرّين منهم ايضاً، لكسر شوكة الإرهاب والحاق الهزيمة بفلوله وتصفية قواعده. وقد كادوا ان يجففوا منابعه ومصادر استمراره، لولا الارتداد الذي شهدته العملية السياسية وانحرافها عن مساراتها الديمقراطية التوافقية.
وفي هذه المرة ايضاً، ورغم الضيم والمعاناة والتعسف والتهميش ومظاهر الإقصاء، يستطيع أهلنا في تلك المناطق، التي يُفترى على ابنائها بالقول انهم يمدون الإرهاب بمصادر الحركة، ويهيئون لفلوله بيئة ملائمة للنمو وملاذاً آمناً، ان يضطلعوا بدورٍ تاريخي في التصدي الحازم لكل مربضٍ للإرهاب، وخلق سورٍ يقي العراقيين من القتل اليومي، واستباحة الدماء الزكية. وليس أولى منهم ولا أجدر بسد كل منافذ حدودنا المكشوفة أمام تسلل الإرهابيين، او خطوط مواصلاتهم ومؤنهم وسلاحهم، خصوصاً مع ما يكتنف الأوضاع في سورية من مخاطر وتحديات وتطورات مقبلة.
ولا يغيب عن العراقيين المهضومين، ان السلطة المتنفذة، الحامية للفساد، هي من تخلق بنهجها الفاسد، وسياستها الغبية وانفرادها، البيئة الملائمة لانفلات الإرهاب وتوسع ميادين جرائمه. ولكنهم يدركون ببصيرتهم، ان استمرار التدهور والقتل اليومي سينال من العراقيين ووطنهم، وسيفرق شملهم، ويضعهم في مهب رياح عاتية لا توفر ولا تفرق بين طائفة وأخرى ومكوِّن وآخر. وفي هذا المسار لا مكان لأرباب السلطة، ولا هَمَّ وانشغال بما يستهدف العراق وأهله من عواقب ومصائر، لانهم اصبحوا غرباء، فقد اكتنزوا الذهب والمال الحرام، واصبح لكل منهم مال وعقار ومستقر للعائلة في كل العواصم القريبة والبعيدة.
والسلطة اذ تعمّق جروح المواطنين، تسعى لترحيل خيبة فشلها، على مكونٍ بعينه، كما لو انهم يتحملون وزر جرائم القاعدة والإرهابيين المنفلتين من عقالهم. تريد ان تقول، ان أهالي أبو غريب هم من سهل للمجرمين الهروب من سجني أبو غريب والتاجي، كما يتهمون أهالي الغربية والأنبار بتأمين حواضن وملاذ آمن لهم، وليس علينا، للرد على هذه الافتراءات، سوى المبادرة بكل وسيلة ممكنة، سياسية كانت او أمنية او مجتمعية، الى رد الكيد لأصحابه من المفترين والخائبين من فرط الفشل والفساد.
جميع التعليقات 2
نبيل
مين يساعد المناطق الاخرى على التخلص من الطائفية والهمنة الايرانية
محمد سعيد
مفالاتك القيمه يبدو انها تدور في حلقه صائبه ... هي ضياع الفكر والرؤيا والمسوؤليه ليس فقط عند عامه الشعب المنكوب ,بل لدي قادته وهذه مساله لابد التوقف عندها لان معظم الجميع الان قد اصاباه مرض الخذلان والاذلال , حينما تم ولاسباب عديده تضيع