كان مُنتظراً بدء الضربة الغربية للنظام السوري أول أمس الخميس، غير أنّ الرئيس الأميركي صبّ قليلاّ من الماء على نار التوقعات، بينما ساهم في إخماد اللهب جُزئياً، عدم اتفاق مجلس الأمن الدولي على موقف موحد، وإخفاق رئيس الوزراء البريطاني في انتزاع موافقة البرلمان، لكن ذلك لايعني مطلقاً إلغاء فكرة "تأديب" الأسد، التي قطعت الدول المؤمنة بها خطوات جادة لتنفيذها، باعتبار أنّ الصمت على استخدامه أسلحة كيماوية ضد شعبه، يفتح الباب واسعاً أمام أنظمة مارقةً أخرى لسلوك نفس الدرب.
بعد التهديد بالضربة، نأت موسكو بنفسها عن الصراع المسلح إن اندلع، لابل أعطت إشارات بالموافقة ميدانياً على الهجوم، في موقف يشبه موقفها في العراق، حين اكتفت بالاعتراض على الغزو لكنها أعلنت أنها لن تتدخل عسكرياً لحماية صدام، ويعتقد البعض أن للتقارب السعودي الروسي اليد الطولى في هذا التحول، الذي يأخذ صفته العملية بالاستعاضة عن قواعد روسيا البحرية في طرطوس، بقواعد على السواحل اليونانية، أمّا إيران التي تبدو أكثر ذكاء من خوض حرب للدفاع عن الأسد، وإن كانت الأعلى صوتاً، فإنها ستترك المهمة لحزب الله المُدرك تماماً أن صواريخه ضد إسرائيل، لن تمنع هجوم الغرب على الأسد.
الضربة المحتملة، وإن تعددت السيناريوهات التي تؤطرها، ستكون على الأرجح ضربات صاروخية من البحر لمواقع سورية منتقاة، وهي لن تستهدف إطاحة الأسد فوراً، بقدر ما ستساهم بانهيار نظامه لاحقاً، خصوصاً وأنه رغم الدعم الهائل الذي تلقاه، لم يتمكن من كسب الحرب، ويقيناً أنه لو كانت المعارضة موحدة، ولم تتفرق قواتها المقاتلة بين كتائب متناحرة، لانتفت الحاجة للتدخل الغربي، ولن يكون مفيداً الصراخ العالي، ولا التهديد بحرق المنطقة، التي أخذت مثل هذه التهديدات بعين الاعتبار واستعدت لمواجهتها، وبديهي أن الغرب يأخذ بحسبانه، أن بقاء الأسد في السلطة بعد الضربة المقررة، يعني عملياً فشلها، وهي المطلوب منها خلخلة الأسس التي يستند إليها النظام، سواء في الجيش أو الطائفة.
ليس سراً أن هناك أعداء لنظام الأسد وإن اختلفت الأسباب، والمثير للغضب أن النظام في دمشق بحماقاته المتكررة، يحقق لهم اليوم كل ما كانوا عاجزين عن تحقيقه، فالدول الخليجية بعد أن صبرت طويلاً، ومعها "الهلال السُنّي"، تعتبر سقوط الأسد بوابة للحفاظ على أمن المنطقة من التوسع الإيراني المذهبي، الذي تقود المعركة ضده تركيا، رغم خسارتها لتجربة إخوانها المصريين ، وليس سراً أن المصالح وحدها هي من يحرك الغرب ضد الأسد، بعيداً عن أكذوبة استخدامه الكيماوي، والتباكي على السوريين الأبرياء الذين يقتلون منذ أكثر من عامين، دون أن يحرك الغرب ساكناً.
يسأل البعض عن الدوافع وراء لجوء الأسد لأسلحته التي شدد العالم على أنها خط أحمر، وتكمن الإجابة المنطقية في أن الرجل أيقن أن الوقت لم يعد في مصلحته، وأن عليه التخلي نهائياً عن حلم حسم الصراع عسكرياً، خصوصاً بعد اختلال المعادلة التي توهم سيادتها بعد احتلال القصير، كما أن قناعته بأن الغرب يُفضله على تنظيم القاعدة، دفعته لتصور إمكانية اتفاق روسي أميركي على تعويم نظامه، كما أن خفوت الحديث عن جنيف الثاني، شجعه على خوض هذه المقامرة، التي يبدو أنه خسرها منذ الجولة الاولى.
الخوف اليوم أن تؤدي الضربة المنتظرة، إلى فتح الطريق أمام جماعة النصرة القاعدية، للوصول إلى عاصمة الأمويين، ما يؤدي الى استعار الحرب الأهلية الطائفية، لتجهز على ما تبقي من الدولة السورية، وتزيد فرص انتشار الفوضى، وتشعل نار الفتنة الطائفية، وهي جمر تحت الرماد، ستمتد ألسنة لهبها إلى العراق ولبنان، وصولاً إلى الخليج حيث الفتنة نائمة بين السُنّة والشيعة، وتنتظر من يوقظها.
هل نملك غير الدعاء، حمى الله سوريا والسوريين.
ضرب سوريا.. تأجيل ضمن الحسابات
[post-views]
نشر في: 30 أغسطس, 2013: 10:01 م