رأى محلل اميركي ان الأحداث في الشرق الأوسط أتاحت فرصة للرئيس أوباما لتصحيح سياسات خاطئة للمرة الثانية هذا الصيف. وقال روبرت ساتلوف في تعليق له بمعهد واشنطن ان في مصر، فعلت الإدارة الأمريكية الصواب في النهاية - على نحو يعزز المصلحة القومية الأمر
رأى محلل اميركي ان الأحداث في الشرق الأوسط أتاحت فرصة للرئيس أوباما لتصحيح سياسات خاطئة للمرة الثانية هذا الصيف. وقال روبرت ساتلوف في تعليق له بمعهد واشنطن ان في مصر، فعلت الإدارة الأمريكية الصواب في النهاية - على نحو يعزز المصلحة القومية الأمريكية من خلال محاولة التجاهل (باستخدام الاستعارة الملائمة المنسوبة لليسلي غلب) والحفاظ على الروابط مع الجيش المصري عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي. لكن واشنطن لم تتوصل إلى هذه السياسة إلا بعد اقتراب الخطر من ربط المصالح الأمريكية ببقاء وسلامة جماعة "الإخوان"، وهو نهج أتى بنتائج عكسية وانطوى على هزيمة الذات لأقصى ما يمكن للمرء أن يتصوره.
وتواجه الإدارة الأمريكية الآن اختباراً ثانياً في سورية حيث يبدو أن نظام بشار الأسد ورعاته الإيرانيون يؤمنون بأنهم يستطيعون تعريض قوة الولايات المتحدة وهيبتها في المنطقة لمخاطر جمة من خلال اختبار "الخط الأحمر" الذي وضعه الرئيس الأمريكي حول استخدام الأسلحة الكيميائية. وبالنسبة للأسد فإن استخدام هذه الأسلحة على نطاق واسع يخدم عدة أهداف - فهو يضعف معنويات الثوار ويشدّد على ضعف مموليهم ومزوديهم الخارجيين ويؤكد لرعاة الأسد أنه ملتزم بالقتال حتى الوصول إلى النهاية الأليمة. وبالنسبة للإيرانيين، يؤدي استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية إلى جعل سورية - وليس منشآت إيران النووية - ساحة المعركة لاختبار العزم الأمريكي.
ومن الواضح للجميع تردد أوباما العميق بشأن الانخراط في سورية. ويتناغم هذا التردد مع سياسته القائمة على الحد من المشاركة الأمريكية في العراق وأفغانستان وقيادته لفكرة "بناء الدولة من الداخل". وهذا قرار مفهوم فضلاً عن كونه عاقلاً وملائماً بالنسبة لملايين الأمريكيين الذين يرون أن الصراع في سورية هو صراع ديني بين المتطرفين الشيعة والمتطرفين السُنة. إن تعريف المدى الذي استطاع من خلاله أوباما المضي في سياسة التجاهل، من المرجح أنه كان عاملاً جوهرياً في قرار استخدام سورية للأسلحة الكيميائية.
وربما أخطاً الأسد في حساباته - فهناك خط لا يستطيع تجاوزه حتى أكثر الرؤساء الأمريكيين تردداً. ولكن هذه ليست نهاية الموضوع. فالمسألة الرئيسية ليست فيما إذا كان الرئيس أوباما سيخوّل استخدام القوة الأمريكية كرد على استخدام سورية للأسلحة الكيميائية على نطاق واسع. بل إن القضية الأساسية هي هدف الولايات المتحدة من وراء استخدام هذه القوة.
ويتساءل ساتلوف: هل الإجراء العسكري الأمريكي مصمم لعقاب الأسد جراء انتهاكه للأعراف الدولية بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية؟ إذا كان الأمر كذلك، فإنه سوف يؤدي فقط إلى تحديد الأدوات الملائمة للأسد لتنفيذ عمليات القتل الجماعي - وربما فقط الكميات الملائمة من الأسلحة الكيميائية لاستخدامها في أي وقت من الأوقات - وسوف لن يكون له تأثير كبير على نتائج الصراع السوري؛ بل إنه قد يعزز في الواقع من جرأة الأسد وحلفائه.
وهل يهدف الإجراء العسكري الأمريكي إلى تغيير ميزان القوى بين جماعات الثوار المختلفة والتحالف السوري ـ الإيراني ـ حزب الله؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذه ستراتيجية طويلة الأمد تتطلب تغييراً بالجملة في ستراتيجية الولايات المتحدة على الأرض من خلال تدريب وإمداد الأسلحة لميليشيات المعارضة التي يتم انتقاؤها جيداً.
وهل الهدف من الإجراء العسكري الأمريكي هو رحيل الأسد وفقاً لما صرح به الرئيس أوباما في عام 2011؟ إذا كان الأمر كذلك، فسوف يتطلب هذا التزاماً كبيراً ومستمراً من جانب القوة الجوية الأمريكية، على غرار الحملة التي قامت بها منظمة حلف شمال الأطلسي في البوسنة.
إن جاذبية الخيار الأول تمثل قوة كبيرة. فالخطاب المتلفز من المكتب البيضاوي الذي يشرح توجيه صواريخ كروز ضد سلسلة من المنشآت العسكرية السورية يتحدث عن نفسه. ويرجح أن يصوت كلا مجلسي الكونغرس الأمريكي بأغلبية كبيرة على قرارات دعم الهجوم. وسوف يصقل الرئيس أوباما أوراق اعتماده كزعيم تقدمي يرغب في استخدام القوة، عند الضرورة، للدفاع عن مبادئه. ثم يمكنه بعد ذلك - بمساندة الشعب الأمريكي - الانتقال للتعامل مع مسائل أخرى.
وسوف يكون ذلك أيضاً نهجاً خاطئاً. ففي ضوء المخاطر الستراتيجية الفاعلة في سورية، ذات الصلة بكل مصلحة أمريكية رئيسية في المنطقة، فإن مسار العمل الأكثر حكمة هو انتهاز فرصة انتهاك نظام الأسد الصارخ للأعراف الدولية من أجل اتخاذ إجراء يعجل من نهاية نظام الأسد. وخلافا لوجهات نظر القادة العسكريين الأمريكيين، فمن شأن ذلك أن يعزز أيضاً من مصداقية التزام الرئيس الأمريكي بمنع حصول إيران على قدرات تصنيع الأسلحة النووية، دون إضعاف قدرة الولايات المتحدة على إنفاذها.
وخلال ذلك، هل ينبغي على واشنطن أن تقلق مما قد يحدث من تمكين الجماعات السنية المتطرفة؟ بالتأكيد. لكن سورية لا توفر أي خيارات جيدة، بل فقط خيارات سيئة أو أشد سوءا - وأسوأها على الإطلاق هو فوز محور الأسد ـ إيران ـ حزب الله، وما قد يسببه من إطلاق وابل قصير بل متوهج من صواريخ كروز. ولا تستطيع قوة عالمية على بعد آلاف الأميال موازنة الجمود لضمان عدم فوز أي من الطرفين؛ على الولايات المتحدة أن تحدد الأولويات من بين النتائج الأكثر سلبية وتستخدم مواردها وأصولها لمنع حدوثها.