هناك مسؤول يقال انه "كبير"، يقول لي ان ضرب الشرطة للمتظاهرين "امر طبيعي" ويجعلني أتخيل دونما وهم، حواراً غير سري، بين طرفين يعيشان اندهاشاً سلبياً، ويحاولان حكم العراق بنحو فاشل. ان سقوط طريقة المالكي في التعامل مع المحتجين، تكشف بنحو مؤسف، سقوط طريقته في حماية الشعب. ليس الموضوع فقط انه رجل يعجز عن توفير الحد الأدنى من الحماية حتى لأسلوبه ونهجه في الحكم. ان سقوط قوات المالكي في تعاملها مع تظاهرات السبت، يمكن ان تكون نافذة نتخيل عبرها حواراً محزناً ومضحكاً يدور في الكواليس، بين دعاة قدماء، وبعثيين تقليديين يشاركونهم اليوم صناعة السياسة الأمنية المندحرة بثمن دمائنا.
انه حوار بين طرفين يعيشان اندهاشاً سلبياً، ويتشاركان الحكم. الدعاة القدامى يجتمعون في غرف تعلق على جدرانها صور الشهداء القدماء، ويسألون: "نحن حزب الحق والتضحية، فلماذا يعترض علينا الناس؟". انها حكاية حزينة للمناضلين، الذين يشعرون بأن في عنق الجماهير ديناً، لقادة الجهاد والنضال، وأن على الجمهور ان يواصل تقديم الشكر للجماعة الثورية، الى الأبد، لأنها ناضلت وثارت. ويندهش المناضل حين يرى الجمهور غاضباً بدل ان يشكر، وساخطاً عوض ان يقدم فرض الامتنان. وبدل ان يراجع أسباب الدهشة، فإنه يفترض الجمهور كافراً بمبادئ الثورة ويستحق السحق، باسم الأمة. إنها حكاية مكررة وحزينة لنهاية مناضل لا يحسن قياس الزمان السياسي.
الاندهاش السلبي هذا كان مسيطراً على عسكر بعثيين يجلسون في الغرفة ذاتها ويعملون مع حزب الدعوة اليوم متصالحين ومتشاركين في مهمة عليا هي توفير الأمن. العساكر البعثيون ينظرون الى صور شهداء حزب الدعوة، ويتذكرون ان القمع السياسي نجح لعقود في قتل المعارضين وإسكاتهم، وأنهم تعلموا ذلك خلال عمل طويل مع صدام حسين، لم يفسده سوى تدخل المجتمع الدولي بجيوش عرمرم. هؤلاء مندهشون ان جيوش اميركا رحلت، وبقينا وحدنا، الشعب والعسكر والدعاة. لكن الجمهور لم يعد خائفاً من الاعتقال والهراوات وخطب التحذير، والمادة أربعة إرهاب. العسكر مندهشون حيال سخرية الجمهور من أدوات القمع، والهمرات والخوذ المتلامعة وقنابل الدخان والرصاص الحي. الدعاة يسألون العسكر البعثيين: مابالكم نجحتم في قمعنا أيام زمان، وتفشلون خلال عهدنا، في إسكات بضع مئات يسخرون من السلطة في بضعة شوارع؟ الجميع، في هذه الغرفة التي أتخيلها دونما وهم، ينسى كل شيء وينهمك في الاندهاش بنحو سلبي، من جمهور يعترض بدل ان يشكر، ويسخر من الخوذ المتلامعة، بدل ان يخاف.
الأمر لا يحتاج تفصيلاً كبيراً، ولا ان أقول للمرة الألف، إنني حزين من اجل حزب تاريخي استشهد الكثير من أهلنا تحت لوائه في مواجهة مع صدام حسين، او إنني حزين على بعض البعثيين الذين انتقلوا من خدمة صدام حسين الى خدمة فريق السلطان، بينما كنا ندعو لإعادة "دمجهم" في الدولة الجديدة "استثماراً لطاقات وطنية". لكن المسؤول الذي يعمل في مؤسسة أمن عليا، يقول لي على الهواء، ان "ضرب المتظاهرين امر اعتيادي يحصل في الديمقراطيات العريقة ايضا". هل هذا ما يقولونه للمالكي، ليجعلوا منه واثقاً بسلامة نهجه، مصراً على المضي الى النهاية، بدل ان يشجعه امرؤ ما، على مراجعة ما حصل طيلة أعوام؟
الطرفان المندهشان يخفقان في صناعة أمننا، ونظرية "الإخضاع" التي توهماها، تسقط. الطرفان يغرقان في الدهشة، لكن الخبر السعيد، ان الجمهور انتقل الى زمان سياسي جديد، لن يكون العساكر مؤهلين لفهمه، ومن المؤسف ان المناضلين القدامى يعجزون عن تخيله. الغارق في الدهشة السلبية، تفوته أشياء كثيرة، ويعجز عن قياس الزمن، فتسرق أبالسة الخطيئة روحه ونصيبه.
دعاة وبعثيون قدامى.. مندهشون
[post-views]
نشر في: 1 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 4
iaraq hur
انت معروف من تكون وليس بمحلل سياسي ناجح بل كل ماتملك من منطق لتنشره على الشعب هواكذوبة همجية مطرزةبلخبث وريحة ماركسية تريد ذر الرماد في العيون .لا اعلم ماذا عمل لك المالكي او حزب الدعوة لتتعامل مه بكل حقد وكراهية بل قلبك اسود من وجهك القبيح
شاكر راضي
الأستاذ سرمد ليس لدى الأحزاب الدينيه اي رؤية في ادارة البلدان ولو كلفناهم بادارة مدرسة ابتدائية لفشلوا فشلا ذريعا.قبلهم كان البعثيون يحكمون بالنار والحديد وفشلوا وتحولوا من حالمين بالوحدة الى قتله ومجرمين وهاهم اليوم يعملون في الجيش والشرطة ويثبتون انهم
denzel
عاشت ايدك ولا تهتز من هؤلاء الانتهازيين الشعب غاضب وسوف يهب عن قريب
عهد الوارثين
شى مضحك هل يوجد احزاب دينية فى العراق؟؟ نعم هناك من ينتحل الاسماء لكن هل السيد المالكى سياسى دينى او المجلس الاعلى الذى اذل نفسة فى الانتخابات الاخيرة ليقدم نفسة كانة حزب مدنى اسلامى لايابة للسافرات نعم هناك التيارالصدرى الذى استمر بشق الانفس بنفس ا