بالأمس كنت أنظر إلى وجوه الأصدقاء الذين شاركوا في تظاهرات 31 آب.. وجوه تقول لنا: هنا ستنتصر الحياة برغم كل الهزائم.. وجوه تحمل حلماً واضحاً: "نحلم ببلاد تنهل من اختلافاتنا لتحولها إلى مصدر قوة وتماسك، بلاد متحررة من قيود الأنانيات الطائفية والحزبية"، تذكرت اثنين من الأصدقاء كانا يحلمان الحلم ذاته، وفي النهاية ذاقا مصير التغييب القسري ، كامل شياع وهادي المهدي. يكتب هادي المهدي يوما على صفحته في فيسبوك ذات يوم "ما أحلم به تظاهرات وطنية تستعيد زخمها لتسهم في تجديد الديمقراطية الوليدة في العراق، تظاهرات تنحاز للبسطاء لتحريرهم من الخوف وخرافات السياسيين".
أتطلع في وجوه أصدقائي وأسترجع معهم حلم العراقيين جميعا بجمهورية العدل والقانون والمساواة، فأجد أننا اليوم نعيش في بلاد توشك أن تصبح اسماً بلا مسمى.. بلاد بحاجة إلى إنقاذ، ولن ينقذها إلا استعادة حلم العراقيين بدولة المواطن، لا جمهورية الطوائف. بعد عشر سنوات على التغيير صار واضحاً أن العراقيين جميعا لم يخسروا فقط حلم الديمقراطية، لكنهم يضيعون اليوم فرصة النهوض بالبلاد، وباتوا جميعا مهددين بفقدان الأمل!
بعد عشر سنوات عجاف مارس فيها أدعياء السياسة كل وسائل الضرب لقواعد الحياة الوطنية، فاقت كثيرا ما دمرته الحروب، سياسيون يواصلون كل يوم إفراغ البلاد من طاقتها الحياتية.. بعد عشر سنوات لم يعد يعادل التوق إلى التغيير، غير اليأس من إمكان حصوله في ظل طبقة سياسية مملوءة نفوسها بالأنانيات وحب المال والسلطة والانتهازية.. بعد عشر سنوات من التدمير ومن بث اليأس في نفوس الناس كي يتخلوا عن دورهم في إدارة شؤون بلادهم.. بعد عشر سنوات بات علينا جميعا أن نجدد الحلم ببلاد تكون للمواطنين جميعا، وللمواطنين وحدهم.
كانت الناس تحلم بأن تكون شريكة في صناعة الغــد، لكنهم وجدوا أنفسهم بعد عشر سنوات يعيشون في ظل نظام سياسي يرى في الحاكم أباً لا يجوز الخروج عليه.. ومحاسبته نكراناً للجميل.. بعد عشر سنوات يريد لنا البعض أن نتحول إلى قطعان عبيد ننتظر كل شيء من "الأب القائد " برغم أن معظم مسؤولينا لا يصلحون لدور "كومبارس" في أضعف المسلسلات الكوميدية، كانت الناس تحلم بعد 2003 بأن تنتهي سنوات القادة القادمين من كواليس الانقلابات العسكرية، فأدخلها ساستنا الأشاوس في كواليس الدولة الفاشلة.. دولة غير محصنة بقضاء مستقل، دولة تحسب في خانة الطائفية والمحسوبية والفساد الذي تدافع عنه ميليشيات الطوائف بضراوة!
اليوم نعيش في ظل دولة الحناجر العالية، نعيش سراب دولة المؤسسات بعد أن حوّل ساستنا العراق إلى دولة استبداد انتهت إلى أن تسيطر على مقدراتها مافيا الفساد والانتهازية، اليوم نعيش مع ساسة ومسؤولين تضج حناجرهم بالكذب وعيونهم بالزيف والخديعة
بعد عشر سنوات نجد أنفسنا أمام سياسيين يمارسون لعبة تغييب العقول، واللعب على انتظار جمهور المتفرجين لبطل منقذ، وليس لديهم إلا حديث المؤامرات الذي لم يعد مسلياً، كل ما يقولونه لا يشير إلى تشغيل العقل.. ولكن إلى زغزغة الخوف من المؤامرة الوهمية .. إلى التسارع للاحتماء تحت جناح القائد المنقذ.
كان نهرو يقول: لا يهمني كثيراً أن أزوِّق خطبي بجمل رنانة ، لكن هاجسي هو هل ستصدق الناس ما أقوله ؟ فيما نحن نتطلع حولنا فنجد سيلا من الخطب الكاذبة .
بالأمس تعرَّض المتظاهرون مثلما تعرض من قبل هادي المهدي إلى حملة قمع منظمة من قبل القوات الأمنية .. وبدلا من أن تصدر الجهات الحكومية بياناً يُدين هذه السلوكيات، خرج المالكي ومعه مقربوه ليعزفوا نغم عشق التظاهرات ومساندتها .. مَن يعلـِّم ساستنا الصدق أو السيطرة على الكذب كما كان ينصح ميكافيللي .. مَن يُدلهم على طريق لمخاطبة الناس أكثر ذكاءً وأكثر صدقاً ؟
يكتب الكواكبي في طبائع الاستبداد " ليست هناك طرق مواتية لأولئك الذين لا يعرفون مخاطبة الناس . "
بعـد عشر سنوات .. ماذا لديكم لنبني عليه المستقبل، غير الخديعة والكذب وسرقة الأحلام ؟!
31 آب وحلم هادي المهدي
[post-views]
نشر في: 1 سبتمبر, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...