قبل ان يعرف العراقيون الطاقة الكهربائية ، وفي أمسيات الشتاء ، تعقد الجدّة حلقتها اليومية، لتسرد للأبناء ما حفظته ذاكرتها من قصص خيالية ، ويكشف الضوء الشحيح المنبعث من الفانوس علامات الدهشة والترقب ورغبة السامعين في معرفة المزيد من التفاصيل ، وعندما يفرض النعاس سطوته على الصغار، يستكمل الفصل الآخر من القصة في مساء اليوم التالي.
الجيل السابق من العراقيين ممن توفرت له فرصة الاستماع الى قصص جدّاتهم ، تعرفوا على عوالم خيالية ، وابدوا انحيازهم الواضح لقوى الخير في صراعها ضد الأشرار ، وفي بعض الأحيان وقبل ان تصل القصة الى نهايتها ، يرددون الدعاء مع جدتهم ، لإنقاذ حمدان الصياد من السقوط في فخ السعلوة ، لأنها تمثل الشر ، وطرف الصراع الساعي لفرض إرادتها بكل السبل والوسائل ومنها الخديعة للنيل من ضحاياها ، وبمرور الزمن ظل الصراع قائماً ، لكن أدواته تغيرت ، وعندما انتفت الحاجة لقصص الجدة في زمن التكنولوجيا ، افرز الواقع نماذج جديدة لأدوات الصراع ، فاخذ طابعاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً .
ماشهدته الساحة العراقية من أحداث ، طيلة عشرات السنين الماضية ، وفرت لجيل جديد من السعالي فرصة الانتقال من الخيال الشعبي الى الواقع ، ومنذ تأسيس الدولة العراقية حتى الآن ، كانت إدارة السلطة ، مصدر خلاف دائم يعبر عن صراع محتدم ، وصل في كثير من الأحيان الى استخدام التصفية الجسدية ضد الخصوم والمعارضين للتشبث بالسلطة الى يوم القيامة ، وهذه المعادلة المضطربة ، تنتظر حلولاً "ديمقراطية حقيقية" لينتصر حمدان الصياد على" السعلوة " بدعاء السامعين و بعد التعرف على محتويات" صندوق الخاتون" .
الخاتون هي الزوجة الثانية لاحد كبار تجار زمانه ، روجت امتلاكها مصوغات ذهبية وجواهر نادرة ، كانت محفوظة في صندوقها الخاص ، وقصة "صندوق الخاتون " كانت تثير تساؤلات السامعين لمعرفة حقيقة محتوياته ، لشكوكهم من احتمال ان يضم أشياء لا تناسب شهرته وسمعته ، ولاسيما ان الخاتون كانت تواجه مخططات تآمرية من ضرّتها، ويكشف مسار سرد الحكاية الشعبية ، ان الصندوق وعلى خلاف ماروج عنه، كان يحتوي الحصى وخرز إبعاد الحسد وأشياء أخرى بإمكان النساء حيازتها من دون ثمن .
بعد معرفة المحتويات الرخيصة في "صندوق الخاتون" ابدى السامعون أسفهم لفشل حمدان الصياد ، في الانتصار على السعلوة ، لوصولهم الى حقيقة ان "الحل الديمقراطي" لجعل السلطة معبرة عن إرادتهم بات أمراً مستحيلاً ، لان بعض النخب السياسية الحالية ، تشبه الى حد كبير خرز" الخاتون " احتفظت بها لغرض إحباط مخططات الضرّة لتحظى بحب زوجها.
العملية السياسية الطريحة على " فراش المرض" منذ سنوات لأسباب كثيرة ، من ابرزها الخلاف على اعتماد مفهوم موحد لإدارة الدولة بأمس الحاجة اليوم الى وقفة جادة لمنع " السعلوة " من الوصول الى السلطة بتحالفها مع الطنطل .
صندوق الخاتون
[post-views]
نشر في: 3 سبتمبر, 2013: 10:01 م