يقول مدير زراعة أبي الخصيب بأنه اعترض على تصويت مجلس المحافظة بجعل حدود مركز البصرة حتى قرية المحيلة 16 كلم عن المدينة، لكن اعتراضه هذا ذهب أدراج الرياح، فالحكومة المحلية ذاهبة في غيّها بجعل كل القرى التي تبدأ من السراجي والبراضعية شمالاً حتى المحيلة جنوباً، ضمن حدود مركز البصرة وبذلك تكون قد أجهزت بالكامل على آخر الأرض الخضراء في البصرة، وهي التي لا تخجل حين تتحدث عن واقع زراعي جديد، وتجعل النخلة والسعفة شعاراً لمجلسها الذي يغض النظر تماما عن ما آلت إليه أحوال الزراعة. بين آونة وأخرى، وكما لو أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، تقوم مديرية زراعة أبي الخصيب بتوزيع البذور على الفلاحين والمزارعين، فهي تمنحهم بذور طماطم وخيار وباذنجان متراجعة عن دورها الذي كانت عليه قبل أكثر من 20 سنة، إلى مجرد مرشد زراعي لا أكثر. تقدم النصح والمشورة لمن تبقى من المزارعين، وكأنها لا تريد أن تقول لهم كلمتها الأخيرة: خلاص لم يعد لوجودنا ضرورة.
ويقول مديرها الأستاذ احمد مكي بأن دائرة كانت تملك 20 سيارة في العام 1979، هي اليوم بسائق واحد مصاب بالصرع، وانه وصل دائرته بسيارة أجرة، بدا كما لو أنه يستجدي الحكومة في فعل شيء لدائرته التي توشك على النهاية.
منذ أكثر من 5 أعوام والماء المالح يجتاح شط العرب والأنهر المتفرعة منه إما صاعداً مع المد من الخليج أو نازلاً مع الجزر من العمارة والناصرية، والدوائر المعنية مثل الزراعة والموارد المائية تقترح السدود والحلول والمشاريع لكن ذلك كله يصطدم بعقبة الموافقات ثم ينتهي بمد ملحي جديد وهلاك عدد جديد من الحقول، ولا يجد مدير الزراعة حرجاً في قوله: نحن نستجدي عطف المحافظات الشمالية مثل الكوت والعمارة والناصرية مثلما نستجدي عطف جمهورية إيران الإسلامية وتركيا، لكي يفرجوا عن مستحقاتنا المائية، والحكومة المحلية عاجزة عن فعل أي شيء ولديها مئات الحجج في تبرير ما لا يمكن تبريره. قبل ثلاثة أيام استغاث، وهم يستغيثون حتى اللحظة هذه، مزارعون ومربو الأسماك في باب سليمان والقرى المجاورة لها، من بقعة كبيرة للزيت (الفيول) انتشرت على ضفة شط العرب الغربية بعد أن تسربت كميات هائلة من النفط الخام من ناقلة بسبب ثقب كبير في بدنها، ما أدى إلى نفوق الأسماك ودخول بقع الزيت الأنهار الصغيرة والكبيرة، ويقول المهندس المختص بأنه خاطب الجهات المعنية لكن الحلول شبه مستحيلة، إذ لم يكن ليعرف عن حكومتنا المحلية ودوائرها المختصة امتلاكها معالجات لمثل هذه الحالات، وسيكون المد والجزر كفيلان بزحزحة البقعة خارج وداخل الشط، لكن الأكيد هو أنها ستمكث طويلا بين الأنهر الصغيرة وستهلك ما شاء لها من الأسماك وسترتفع أصوات كثيرة لكن لن يستجيب لها أحد، إذ من غير المعقول انشغال حكومة فتية ببقعة زيت مساحتها آلاف الأمتار. قبل أكثر من سنة استحدثت حكومة البصرة المحلية جائزة لأفضل بيت يقوم بغرس فسيل نخيل أمام داره أو في حديقة منزله، فكانت مزحة سمجة تندر بها سكان المدينة، الحكومة التي تحكم أغنى مدينة في العالم وتشتهر بزراعة النخيل، بل وعرفت به بين المدن، تمنح جائزة لأفضل بيت يغرس شجرة نخل، هي التي لم تفكر يوما واحداً باجتراح آلية للحفاظ على ما تبقى من نخل المدينة، بل هي التي تسببت وتتسبب كل يوم بهلاك المئات من اشجار النخيل المثمرة. مدير الزراعة يواصل حديثه معنا : القانون السابق والمُسَن في حكومة صدام حسين لسنة 1979 لا زال معمولاً به حتى اليوم، إذ لم يسن قانون جديد ينقضه، والقانون هذا يجرّم كل من يغيّر جنس قطعة الأرض الزراعية إلى عقار او دار سكنية، وهذا سؤال يدور في أذهان الناس هنا، ترى لماذا لا تعمل الحكومة المحلية على تفعيله؟ فيأتي الجواب على لسان عضو في المجلس قائلا: بساتين ابي الخصيب حلت لدينا مشكلة السكن، ومنعت من خروج المتظاهرين علينا. نامي قريرة العين يا حكومتنا المحلية، فقد حظيت برضى ناخبيك بعد أن جرّف الهؤلاء آلاف الدونمات الزراعية، وردموا مئات الأنهار واخرجوا أجمل غابات العراق من عالم الخضار والبساتين إلى عالم الدمار والتصحر، بعد أن ألحقوا آخر قطعة خضراء في البصرة بجسد المدينة القبيح.
أحدث حكايات الخراب في البصرة
[post-views]
نشر في: 3 سبتمبر, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ع.البصراوي
كلامك موجع ومؤذي ومحبط ياسيدي ياطالب الخير!! كل مرة أشتاق لسماع شيء عن البصرة والتفكير بهمومها ومشاكلها والدمار الذي لحق بها أفزع إليك لأرى ما تكتب، أشعر أنك بت بوصلة لكل ألم بصري. المياه المالحة، طمر الأنهار، موت النخيل والأشجار، زحف لون المدينة الرمادي