يفتتح المخرج الإيراني "محسن مخملباف" فيلمه "البستاني" بالإعلان" إنا صانع فيلم لاأدري". بالنسبة لأي شخص آخر ربما يبدو هذا مثل إعلان بسيط لكن ليس من السيد مخملباف المعقد. في عام 1974 وحين كان في السابعة عشرة ملتزماً دينياً ومنخرطاً في جماعة مسلحة قام ب
يفتتح المخرج الإيراني "محسن مخملباف" فيلمه "البستاني" بالإعلان" إنا صانع فيلم لاأدري". بالنسبة لأي شخص آخر ربما يبدو هذا مثل إعلان بسيط لكن ليس من السيد مخملباف المعقد. في عام 1974 وحين كان في السابعة عشرة ملتزماً دينياً ومنخرطاً في جماعة مسلحة قام بطعن رجل شرطة وبسببها تلقى رصاصة في بطنه وحكم عليه بالسجن.
وحين حررته ثورة 1979 أصبح مخرجاً سينمائياً وأعاد مسرحة هذه الحادثة في فيلمه المصنوع عام 1995 بعنوان "لحظة من البراءة". في هذا الخلق الجديد فإن الهجوم لا ينتهي بأحد الإيرانيين وهو يطلق النار على الآخر بل بزهرة وخبزة يحلان محل البندقية والسكين.
هذه الزهرة الرمز المشحونة تتضاعف آلاف المرات في فيلم "البستاني". وهو تحقيق حميم واستطرادي في العقيدة الدينية الذي يفتتح ليشمل أسئلة حول السينما ويدور الفيلم بشكل كبير ضمن محيط الحدائق البهائية المدهشة. إن المواقع المقدسة للعقيدة البهائية تقع في مدينتي حيفا وعكا وتعمل الحدائق كونها مراقد للقادة البهائيين مثل الباب الذي دفن في جبل الكرمل في حيفا والبهاء لله الذي دفن في عكا.
إنها تمظهرات متغيرة الألوان للعقيدة والإثباتات التي يجري إدراكها بترتيبات هندسية دقيقة للنباتات بضمنها أشجار الصنوبر الباسقة والأزهار المشرقة والنباتات الريانة الزاهية وأشجار الزيتون- والتي تقطعها الممرات الملونة.
من المناسب أن السيد مخملباف يجعل مدخله في الفيلم في أحد هذه الممرات وهو يرتدي الملابس السود ويمشي على مجاز ذي لون مشرق تحيطه صفوف من الأزهار الحمر وأشجار الصفصاف الخضر وتخترقه شجرة زيتون أنيقة بصحبة رجل آخر هو ابنه "ميثم مخملباف" الذي يرتدي جاكيته ذات لون فاتح. إنها صورة مدهشة من الألوان التي تلفت الانتباه إلى الرجلين وتشير إلى آخرين وإلى الفروق التي تبرز بشكل ذي مغزى. إنهما يحملان الكاميرا التي سوف تقوم بتصوير الحديقة رقمياً وبعض الزوار الآخرين خلال تبادل وجهات نظر وجدالات حول الدين إذ أن مخملباف الأب يناقش على أساس العقيدة بينما الابن يقدم تقريباً وجهة نظر معارضة.
إن المناقشة مثل الفيلم مهدئة ومتحضرة ومدهشة على نحو هادئ ولأن اضطهاد البهائية مستمر في إيران فإن القضية سياسية في أصلها. بالرغم من أن الفيلم يحمل بعض المادة الأرشيفية إلا أن السيد مخملباف يبتعد بوضوح عن السياسات المعاصرة وبدلاً من ذلك يركز على بعض المؤمنين من البهائيين بضمنهم "ريفيرا أيونا مابي" وهو بستاني من "بابوا نيو غويانا" الذي كلماته الرقيقة وسلوكه – حين يحمل زهرة الثالوث إلى الكاميرا فكأنه يحمل وجه طفل- تطل على اهتمامات غيبية. وثمة امرأة ، وهي معلمة، يمكن رؤيتها وهي تجري بشالها الوردي وهو يرفرف وراءها، وهي الصورة التي في غاية الحماقة على نحو مرتبك وفي منتهى الإخلاص على نحو مكشوف التي تجعلك ربما تشعر بالخجل بسبب أفكارك غير الطيبة والتي تكون هي الهدف من ذلك.
من نحن لنحكم؟ إنه سؤال ملح بالنسبة للسيد مخملباف التي يعيش الآن في لندن إذ ترك إيران في عام 2005 في أعقاب فوز محمود نجادي بالانتخابات. وحتى مع الرئيس الجديد فليس من المحتمل أن السيد مخملباف سيرجع حالاً وبالأخص حين كان رد الفعل في إيران على فيلمه "البستاني" عنيفا وهو من الواضح أنه الفيلم الأول الذي صور في إسرائيل من قبل إيراني منذ الثورة.
وحسب صحيفة لوس أنجلوس تايمز سافر السيد مخملباف إلى مهرجان أورشليم السينمائي وشارك بالفيلم مما أثار منظمة السينما الرسمية التي طالبت بشجبه لأنه "وقع في أياد المحتل والنظام الصهيوني المجرم" وطالبت متحف سينما الدولة أن تحذف الجوائز التي حصل عليها. كما أثارت الزيارة رسائل مساندة وأخرى ناقدة له من قبل مثقفين إيرانيين وآخرين.
إن الضجة التي أثارتها زيارته قد تبدو أن لا علاقة لها بفيلم "البستاني" لكن فصل الفيلم عن صانعه وتاريخه سوف يكون غلطة. إن تسامح السيد مخملباف الطموح هو نفسه سلوك من التحدي السياسي. وبافتراض ذلك من الجدير بالاعتبار بأن كلمة "فردوس paradise الانكليزية قد تم اشتقاقها من كلمة فارسية تظهر في النهاية pairidaeza.
إن السيد مخملباف لم يضع هذا الارتباط الإيتمولوجي (الاشتقاقي) واضحاً في الفيلم بالرغم من أنه كان يجول في الحدائق البهائية وكاميراته تسير مثل النملة قريباً من الأرض ثم تحلق عالياً مثل الطير فوق الأراضي فإنه يجمع بشكل غنائي ما بين الروحي والمادي. وفي الوقت الذي ينتهي فيه الفيلم فإنه يستعير قبعة البستاني ويقصد مكاناً مقدساً من الواضح أنه يتجاوز به هذه الممالك المسحورة.
البستاني
إخراج وإنتاج محسن مخملباف
مدير التصوير والمونتير: ميثم مخملباف
موسيقى: بول كولير وسلار سمادي
زمن الفيلم: ساعة ونصف.
عن: نيويورك تايمز