TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عرش الرئاسة

عرش الرئاسة

نشر في: 4 سبتمبر, 2013: 10:01 م

لفت نظري في التقرير البريطاني المنشور مؤخراً عن زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد ثقتها بأن عائلتها ستحكم سوريا لسنوات قادمة، واهتمامها الكبير حد التحول الى هاجس بأن ابنها الأكبر حافظ سيكمل مشوار جده وأبيه ليكون وريثاً لعرش الرئاسة، ولست معنيا بما تضمنه التقرير الذي يحوي معلومات وصوراً وشهادات يقال إنها توثّق عدم اكتراثها بما يدور حولها، وأنها في الوقت الذي يحبس العالم أنفاسه توقعاً لضربة عسكرية على سوريا، تنشغل برشاقتها ومشترياتها، أو القول إنها تعيش حياة بذخ وتتباهى بذلك، وانها تفعل كل ما في وسعها لإبقاء عقلها بعيداً عن الفوضى، من خلال استمرارها في التسوّق عبر الإنترنت من أغلى الماركات العالمية، ومتابعة آخر صيحات الموضة في لندن، وكذلك اهتمامها بالمحافظة على رشاقتها، وبتوفير أرقى درجات الرفاهية لأطفالها الثلاثة.
ما يُلفت النظر ليس أن أسماء الأسد بلا قلب ومهووسة بالمبالغة بالاهتمام بمظهرها وأناقتها ورفاهية عائلتها، كما ينقل التقرير عن مقربين من العائلة، وإنما موقفها السياسي من النظام الجمهوري القائم في سوريا حيث يطغى منذ اليوم إيمانها بحق ابنها الأكبر في وراثة رئاسة الجمهورية من والده بشار، الذي ورثها من حافظ الأول، وبما يعني الانتفاء الكامل لمكونات النظام الجمهوري، وفي هذه الحالة، لماذا لا يتم تحويل النظام في الدولة السورية الى الحكم الملكي الذي يضمن بالدستور والقوانين وراثة ولي العهد لملك والده، حيث يتم انتقال السلطة بسلاسة ومن دون معوقات من قبيل شراء ولاء كبار الضباط أو ارتهان الرئيس الجديد للحرس القديم الذي قبل به رئيساً، وهو ربما لا يستحق إشغال هذا الموقع.
للحقيقة فإن أسماء ليست وحدها من بين زوجات الرؤساء العرب من تحمل هذا الطموح وتسعى لتحقيقه، فقبل الزوجات يلعب الأزواج الرؤساء دوراً في التوريث، فعلها صدام مع إبنيه عدي أولاً ثم قصي، وعلي عبد الله صالح مع نجله الذي تسلم قيادة الحرس الجمهوري، ومبارك الذي سعى لتوريث جمال، والقذافي الذي فكر يوماً بتسليم السلطة لابنته عائشة، بعد اكتشافه تفاهة الأبناء وعدم صلاحيتهم، ولاشك أنه كان للزوجات دور قد لا يكون بحجم الدور الذي تمارسه السيدة أسماء في الجمهورية السورية الوراثية، التي يبدو ان البعض يسعى لتكريسها واقعاً على الأرض، برغم سيل الدماء المتدفق في بلاد الشام منذ ثلاثين شهراً ليروي شجرة الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان.
لا يأتي رفضنا للدور الذي تلعبه السيدة أسماء لصالح ابنها من كونها امرأة، كما قد يتبادر لذهن البعض، فمع إيماننا بحق الشعب في اختيار حكامه، وفق برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة ومحددة، يطرحها الراغب في شغل الموقع الأول في الدولة، فإن إيماننا بالمساواة بين المرأة والرجل لا يقترب منه الشك، وهو حق مكفول بالشرائع السماوية والوضعية، لكننا نرفض أن تلعب أية امرأة دورها، اعتماداً على سلطة زوجها وسطوته، وليس اعتماداً على حقها كمواطنة تتساوى في الحقوق والواجبات مع الرجل، خصوصاً إن كان هذا الدور سياسياً يتصل بحياة الناس ومصالحهم وحقوقهم.
حكم العائلة ظاهرة في الجمهوريات العربية، خصوصاً الثورية منها، حتى أن رفعت الأسد عم حافظ الصغير، المطرود من جنة السلطة على يــد شقيقه حافظ الأول، يطرح نفسه اليوم برغم تاريخه الأسود، كمخلص لسوريا من أزمتها، لقناعته بأن عائلته وحدها تمتلك الحق بالتنافس على الموقع الأول، وما على الشعب غير الثغاء كالنعاج، ويبدو أن السيدة أسماء تؤمن بهذا الحق، وإن كنا نصلي أن لا يكون التقرير البريطاني صحيحاً ولا صادقاً، وأن لا تسعى لتكريس فكرة "عرش رئاسة الجمهورية"، فالعرش سمة الملكيات وليس غيرها!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram