لفت نظري في التقرير البريطاني المنشور مؤخراً عن زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد ثقتها بأن عائلتها ستحكم سوريا لسنوات قادمة، واهتمامها الكبير حد التحول الى هاجس بأن ابنها الأكبر حافظ سيكمل مشوار جده وأبيه ليكون وريثاً لعرش الرئاسة، ولست معنيا بما تضمنه التقرير الذي يحوي معلومات وصوراً وشهادات يقال إنها توثّق عدم اكتراثها بما يدور حولها، وأنها في الوقت الذي يحبس العالم أنفاسه توقعاً لضربة عسكرية على سوريا، تنشغل برشاقتها ومشترياتها، أو القول إنها تعيش حياة بذخ وتتباهى بذلك، وانها تفعل كل ما في وسعها لإبقاء عقلها بعيداً عن الفوضى، من خلال استمرارها في التسوّق عبر الإنترنت من أغلى الماركات العالمية، ومتابعة آخر صيحات الموضة في لندن، وكذلك اهتمامها بالمحافظة على رشاقتها، وبتوفير أرقى درجات الرفاهية لأطفالها الثلاثة.
ما يُلفت النظر ليس أن أسماء الأسد بلا قلب ومهووسة بالمبالغة بالاهتمام بمظهرها وأناقتها ورفاهية عائلتها، كما ينقل التقرير عن مقربين من العائلة، وإنما موقفها السياسي من النظام الجمهوري القائم في سوريا حيث يطغى منذ اليوم إيمانها بحق ابنها الأكبر في وراثة رئاسة الجمهورية من والده بشار، الذي ورثها من حافظ الأول، وبما يعني الانتفاء الكامل لمكونات النظام الجمهوري، وفي هذه الحالة، لماذا لا يتم تحويل النظام في الدولة السورية الى الحكم الملكي الذي يضمن بالدستور والقوانين وراثة ولي العهد لملك والده، حيث يتم انتقال السلطة بسلاسة ومن دون معوقات من قبيل شراء ولاء كبار الضباط أو ارتهان الرئيس الجديد للحرس القديم الذي قبل به رئيساً، وهو ربما لا يستحق إشغال هذا الموقع.
للحقيقة فإن أسماء ليست وحدها من بين زوجات الرؤساء العرب من تحمل هذا الطموح وتسعى لتحقيقه، فقبل الزوجات يلعب الأزواج الرؤساء دوراً في التوريث، فعلها صدام مع إبنيه عدي أولاً ثم قصي، وعلي عبد الله صالح مع نجله الذي تسلم قيادة الحرس الجمهوري، ومبارك الذي سعى لتوريث جمال، والقذافي الذي فكر يوماً بتسليم السلطة لابنته عائشة، بعد اكتشافه تفاهة الأبناء وعدم صلاحيتهم، ولاشك أنه كان للزوجات دور قد لا يكون بحجم الدور الذي تمارسه السيدة أسماء في الجمهورية السورية الوراثية، التي يبدو ان البعض يسعى لتكريسها واقعاً على الأرض، برغم سيل الدماء المتدفق في بلاد الشام منذ ثلاثين شهراً ليروي شجرة الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان.
لا يأتي رفضنا للدور الذي تلعبه السيدة أسماء لصالح ابنها من كونها امرأة، كما قد يتبادر لذهن البعض، فمع إيماننا بحق الشعب في اختيار حكامه، وفق برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة ومحددة، يطرحها الراغب في شغل الموقع الأول في الدولة، فإن إيماننا بالمساواة بين المرأة والرجل لا يقترب منه الشك، وهو حق مكفول بالشرائع السماوية والوضعية، لكننا نرفض أن تلعب أية امرأة دورها، اعتماداً على سلطة زوجها وسطوته، وليس اعتماداً على حقها كمواطنة تتساوى في الحقوق والواجبات مع الرجل، خصوصاً إن كان هذا الدور سياسياً يتصل بحياة الناس ومصالحهم وحقوقهم.
حكم العائلة ظاهرة في الجمهوريات العربية، خصوصاً الثورية منها، حتى أن رفعت الأسد عم حافظ الصغير، المطرود من جنة السلطة على يــد شقيقه حافظ الأول، يطرح نفسه اليوم برغم تاريخه الأسود، كمخلص لسوريا من أزمتها، لقناعته بأن عائلته وحدها تمتلك الحق بالتنافس على الموقع الأول، وما على الشعب غير الثغاء كالنعاج، ويبدو أن السيدة أسماء تؤمن بهذا الحق، وإن كنا نصلي أن لا يكون التقرير البريطاني صحيحاً ولا صادقاً، وأن لا تسعى لتكريس فكرة "عرش رئاسة الجمهورية"، فالعرش سمة الملكيات وليس غيرها!
عرش الرئاسة
[post-views]
نشر في: 4 سبتمبر, 2013: 10:01 م