ليس لدينا سوى ٣ ممرات نحو البحر، شط العرب، وخور عبدالله، وخور الزبير. الأخير ملك خالص لنا، في شرقه حقول الحناء المحروقة في الفاو، وفي غربه امتدادنا البري نحو حقول النفط والزبير. أما شط العرب فعلى ضفته الأخرى عبادان، ومع ذلك فقد كان لنا بأكمله حسب معاهدة ارضروم القديمة العثمانية. ثم منح صدام حسين لشاه ايران حق السيادة على نصف الشط، في الحكاية المعروفة. وأما خور عبدالله فهو مدخل نحو ام قصر، ضفته الشمالية شبه جزيرة الفاو، وضفته الجنوبية جزيرة بوبيان الكويتية. وكان لنا كما يقول البحارة، تحكم بالممر بأسره، ربما لأننا لا نملك سواه، بينما للكويت ساحل طويل يغنيها عن هذا الممر. وقبل أيام مرت اتفاقية جعلت خور عبدالله مثل شط العرب، اذ سنديره بنحو مشترك مع الكويت، لأننا "نتشاطأ" عليه.
والغضب يرتفع هذه الايام، لدى البحارة القدماء، وخبراء الملاحة، وكثير من العراقيين الذين لم يزوروا شاطئنا ولم يروه. ويرون ان في هذا خسارة كبيرة. اما انا ودونما خبرة في قانون دولي، فأحسب ان المشكلة ليست في ان تدير الأطراف المتشاطئة سواحلها بنحو مشترك. ولكن في ضعف همتنا، وفي إهمالنا للبحر. وهو إهمال جعلنا نخسر عمليا كل شط العرب، وقد يجعلنا نخسر عملياً كل خور عبد الله، فالنصف الاول اخذته ايران او الكويت، والنصف الثاني صار من حصة النسيان والاهمال والحظ السيئ والادارة غير الحكيمة.
لقد كتبت مرات ومرات، حتى اتهمني الناس بالمبالغة، وقد كتب شيخ البحارة القبطان كاظم فنجان الحمامي، اكثر مني ومن غيري، عن إهمال شاطئ سندباد. ونقلت الصحافة بما امكنها، آهات الملاحين والصيادين، طوال سنوات، دونما جدوى.
لن اناقش هنا مشروعية او لا مشروعية، ان ندير ممراتنا الملاحية بنحو مشترك مع ايران او الكويت. ولن اسأل عن مدى مهارة مفاوضنا الدبلوماسي، ولن أدقق في الاتهامات، لاننا سئمنا السجال حول ذلك. ولكن تعالوا نلاحظ كيف اضعنا البحر كله بلمحة البصر.
ففيما يتعلق بشط العرب، نجح الايرانيون في اعمار واحياء ضفتهم، وأمر عليها ليلا حين ازور أطلال بيتنا القديم هناك، فأراها متوهجة الاضواء، مرتفعة المنشآت الصناعية، موانئها الفرعية حسنة وشامخة ومنظمة، وصيادوها وبحارتها محميون بألف نظام حديث. اما ضفتنا فقاحلة مظلمة، تنوح على نخيلها الذي أكلته الحروب واجتثه صدام حسين بواحد من اسخف قراراته، ثم اهمله العهد الجديد عشر سنين، بلا عناية ولا اهتمام يليق بممر للتاريخ والتجارة والاساطيل.
بل ان السخرية السوداء تبلغ مداها، حين وجدت قبل عامين، ان الصيادين أمام أطلال دارنا القديمة، ممنوعون من الصيد في شط العرب. جاء ضابط عراقي ونهرهم لانهم حاولوا الإبحار في الشط. سألته: خير؟ اجاب: لانريد مشاكل مع ايران، فصيادونا يتجاوزون احيانا نقطة المنتصف في النهر، ويعترض الايرانيون وندخل في حيص بيص، والافضل منع الصيد مطلقا في كل الشط!
هذا حال الادارة السيئة اذن، يقتل ضفتنا اليتيمة، ويعمر ضفة الايرانيين بكل المتطلبات. وحين نتحدث عن خور عبدالله فستكون الخيبة اكثر، اذ يصان الساحل الكويتي بدولة مستقرة مثابرة تستعين بكل الدنيا لإعمار شواطئها وتبني ميناءها العملاق، ونحن نخوض سجالاً منذ عشر سنين حول ميناء الفاو، نرفض عرض المستثمر العراقي المعروف جوزيف حنا الشيخ، ونرتجل القرارات، ونتيه في الخلافات، ويبقى شاطئنا مهملا، ويضيع البحر بما له من اهمية توازي اهمية البترول الذي سينفد، ويترك المجال لتجارة ترانزيت في وسعها ان تحول العراق الى ممر ذهبي بين آسيا والغرب.
ليس مجدياً ان نبكي على ما ضاع، لان السؤال الذي يثقب رأس البحارة هو: وماذا عن الشاطئ المتبقي وأهله، وكل ما يتعرض له من اهمال؟ لا نحن فتحنا الباب لمستثمر، ولا دولتنا شاطرة بما يكفي لاحيائه. وهل ينتظر المرء سوى ذلك في ظل "سلطنة" ناقصة الحكمة، ستضيع علينا البر والبحر؟
ضياع البحر والبر
[post-views]
نشر في: 4 سبتمبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 4
الشمري فاروق
يا سيدي الا تعلم بأنا ايرانيون بلا جنسية ايرانيه
ابوجهاد
الاخ سرمد كلامك صحيح جدا ولكن في موضوعه وهو اعتياد العراقي شعبا وحكومتا على الاهمال وعدم الاستفادة من موارده وليس موضوعه هنا. حيث ان تصرف البرلمان هو عبارة عن تقويض ملكية البلاد وهو موضوع اخر وان عملية تناولك الموضوع المجانس وتركك الموضوع الاصلي غير مقبول
رشيد كتاني
لم يستطع عبد الكريم قاسم ان يوضح للعراقيين لماذايطالب بالكويت ولم يستطع بعث 1963 ان يوضح لماذا اعترف بالكويت ولماذا لم يرسم الحدود البرية والبحرية انذاك واستمرت فوضى التناقض بين الموقف حسب القانون الدولي الذي يجهله معظم العراقيين والموقف الشعبي العاطفي ا
صائب طراد
الاخ الفاضل سومد الطائي اني طالب دراسات عليا ارجو التواصل هذا ايلي saab.tard@yahoo.comاستاذ سرمد هنالك الكثير مما تكتب له علاقة برسالتي للماستير ارجو مساعدتك مع الاحترام والود