TOP

جريدة المدى > عام > رحلاتي مع الشاعر الكبير.. شيموس هيني

رحلاتي مع الشاعر الكبير.. شيموس هيني

نشر في: 6 سبتمبر, 2013: 10:01 م

في الثلاثين من أغسطس من هذا العام رحل عنا الشاعر الايرلندي الكبير شيموس هيني عن عمر ناهز 74 عاما ، تناقلت خبر وفاته معظم الصحف والمجلات العالمية اضافة إلى الإعلام المرئي الذي سارع إلى بث عدة أفلام تسجيلية عنه تؤرخ لحياته وشعره ، أندرو أوهاغن كاتب اسك

في الثلاثين من أغسطس من هذا العام رحل عنا الشاعر الايرلندي الكبير شيموس هيني عن عمر ناهز 74 عاما ، تناقلت خبر وفاته معظم الصحف والمجلات العالمية اضافة إلى الإعلام المرئي الذي سارع إلى بث عدة أفلام تسجيلية عنه تؤرخ لحياته وشعره ، أندرو أوهاغن كاتب اسكتلندي وهو حاليا زميل في كلية كينغز في لندن حيث يشرف على قسم الكتابة الإبداعية فيها.

تم اختياره من قبل مجلة " غرانتا " الأدبية المعروفة لإدراجه في قائمة أفضل الروائيين البريطانيين الشباب لعام 2003 ، ترجمت رواياته إلى 15 لغة وظهرت مقالاته في نيويورك ريفيو أوف بوكس ، لندن ريفيو أوف بوكس ، غرانتا ، صحيفة الغارديان ، مجلة نيو يوركر ، ولمصاحبته طويلا للشاعر الراحل شيموس هيني فقد رثاه على طريقته الخاصة بهذا المقال ، مستعيدا ذكرى رحلاته معه إلى اسكتلندا وايرلندا وويلز ، قال :

- هو شاعري المفضل وصديقي العزيز ، وكثيرا ما كنا نجلس للطعام وأمامه صحن للشوربة ومع كل ملعقة كان يضعها في فمه كنت أتأمله يسرح بعيدا ليعاود الطعام ، قلت له :
- بم تفكر ؟
قال : في الآخرة ...
كنت محظوظا جدا في معرفة صفات هيني في ترحالي معه وقد شعرت أن شيئا أصاب قلبي حين علمت بوفاته ، كان عبقريا ويحمل معه كل الصفات الإنسانية السامية ، وفي السنوات الأخيرة من عمره نحن الثلاثة ، انا ، هو ، زوجته ، كنا نسافر معا ، اعترف لي في إحدى تلك السفريات أنه كان كلما واجه الناس شعر بتغيير في حياته ( كان ذلك جزءا من طيبته لهم ) ، ذهبت معه خلال تلك السنوات الثلاث مرة إلى جامعة ستراثكلايد لتسلم شهادة الدكتوراه الفخرية الممنوحة له من تلك الجامعة ، فجأة أخبرتني زوجته ماري أنه أصيب بجلطة دماغية خفيفة نقلناه على اثرها إلى المصحة الملكية ، وأمام سيارة الإسعاف أعطاني كلمته قائلا :
- أنا أعلم أنك سوف تقدم لي بعض الفضل في قراءتها .
أسف الحاضرون لما حدث لهيني وأبلغوني نقل تحياتهم إليه وعندما ذهبت الى المستشفى وجدته يجلس على أحد أسرتها وهو يمازح ماري ، بينما اقترب منه أحد الأطباء الشباب بعد أن تعرف عليه مبديا إعجابه بقصائده خاصة تلك التي كتبها مطلع شبابه ، هنا راح هيني يستجمع ذاكرته التي اسعفته بتذكر الأيام التي كان يعمل مع والده في الزراعة وكيف كان يجلس تحت الأشجار يكتب القصائد ، وعندما تناديه والدته لتقشير البطاطا يجلس معها مرددا أبياتا من تلك التي كتبها .
في أيرشاير مشيت معه في حديقة تقع بجانب البلدة حيث ترعرعت ، أخذنا المشروبات وجلسنا على العشب ، أشرت له من بين فجوة في الأشجار التي أمامنا عن أيلسا كريغ الصخرة التي تقف في البحر لتتوسط بين إيرلندا واسكتلندا قال :
- قريبا سوف يكون هناك شيموس هيني بالرغم من كل المشاكل العالقة بينهما .
سألته :
- هل كانت هناك ردة فعل حيث نشأت لحصولك على جائزة نوبل للأدب ؟
قال: المسألة برمتها كانت مكسبا للجانبين .
من أيرشاير انتقلنا إلى الكنيسة القديمة في إتريك حيث أبدى هيني رغبته بزيارة قبر توماس هاردي وعند مغادرتنا توقفنا لتناول طعام الغداء في مكان مخصص يقدم فيه المحار مع زجاجة من الألزاس حيث شنف أسماعنا بإحدى قصائده التي يذكر فيها هذه الوجبة من المحار مع ذلك الشراب البارد الموضوع في أوان فخارية زادت من منظره بهجة .
بعد فراغنا من تناول المحار ذهبنا إلى جزر آران وكنت أسمع الناس يهمسون باسم شيموس الذي بادلهم الابتسامات ثم رحب يهم ، الجزيرة كانت هادئة جدا تجولنا فيها على ظهر مهرين حيث قابلنا شخصا يقود سيارته اقترب من هيني قائلا :
- أنت الشاعر الشهير ، رأيتك متحدثا تدلي بآراء سديدة في التلفزيون .
بتنا ليلتنا في هذه الجزيرة الساحرة وفي اليوم التالي ذهبنا إلى دبلن حيث استغرقت الرحلة منا وقتا ليس بالطويل أخذنا فيها هيني إلى كاتدرائية القديس باتريك وفيها وقفنا أمام قبر سويفت حيث رأيته يتمتم بكلمات غير مفهومة ، مر فصل الشتاء بعد ذلك لنذهب إلى رحلة أخرى معا كان التفكير في ويلز وجهتنا القادمة .
كان المشهد على الحدود الويلزية عبارة عن خط أخضر وفضي تبدأ فيه الأرض بالارتفاع حتى تبلغ مداها التلال المرتفعة ، قال عنها هيني وكأنه يرتل كلماته شعرا :
إنه الخلود
الراسخ في النفس البشرية
لا غرابة أن تجد الشعراء ومنهم
هنري فوغان
ينام هنا منذ سنوات طويلة 
هنا على تلة بجانب نهر اوسك لا أدري لماذا يعشق الشعراء أن يدفنوا في هذه الأماكن ؟ هناك تجد على شاخصة قبورهم كلمات ، بل أكثر من ذلك هناك أثارها في السماء وجدتها تتخلل هوائها ، سحبها ، إنه الخلود كما قلت .
قبر فوغان هو تحت شجرة الطقسوس العملاقة ، ليس هناك مسار واضح إليه فالطريق امتلأ بالعشب حتى اضطررنا أن نقفز فوقه ووجدناه أخيرا وكأنه لم يسبقنا أحد لزيارته ، جلسنا على مقاعد قديمة كانت ترقد بجواره ونظرت إلى لوحة تشير إليه للدلالة كتب عليها ( فوغان 1695 ) ، أخذنا بعض الصور ثم راح هيني يدقق في الكلمات اللاتينية التي تصدرت شاهدة قبر فوغان ، في وقت لاحق علمت أنه أشار إلى ذلك المشهد في قصيدة جديدة له ، المكان يمكن أن ترتاح له النفوس ، تتمدد فيه العظام ، الأنفاس يمكن أن تأخذها خالية من التلوث ، هذا ما فعلناه في ذلك اليوم وكأن العالم كله ينتهي إليه مارا بذلك الضوء العجيب الذي يتخلل الشجر معلنا رحيله الأبدي .
 عن/ صحيفة الغارديان اللندنية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تضاربات بين مكتب خامنئي وبزشكيان: التفاوض مع أمريكا خيانة

حماس توافق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى

البرلمان يعدل جدول أعماله ليوم الأحد المقبل ويضيف فقرة تعديل الموازنة

قائمة مسائية بأسعار الدولار في العراق

التسريبات الصوتية تتسبب بإعفاء آمر اللواء 55 للحشد الشعبي في الأنبار

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram