(1-2)   لعل مجمل ما يعتمل في دواخل وذائقة النحاتة(مها مصطفى)لا يعدو أن يكون مسعى استنهاضات تفويضية(علمية-عملية)لمجموعة من استجابات استباقية، تأملت وتمرنت-كثيرا- في كيفية تمرير سلسلة متمردة (إجرائيا) من تلك الاستجابات التي تجانب اعتلاء سلم درجا

(1-2)

لعل مجمل ما يعتمل في دواخل وذائقة النحاتة(مها مصطفى)لا يعدو أن يكون مسعى استنهاضات تفويضية(علمية-عملية)لمجموعة من استجابات استباقية، تأملت وتمرنت-كثيرا- في كيفية تمرير سلسلة متمردة (إجرائيا) من تلك الاستجابات التي تجانب اعتلاء سلم درجات تعلق نسب الذكاء النوعي لهذه الفنانة بنواتج ما توصلت اليها بحوثها البصرية، بعد أن أحتلت مكانتها الإبداعية-منذ سنوات بعيدة من الآن- في أماكن ومواقع حيوية ومهمة في بعض مدن وعواصم العالم (كندا/اليابان/السويد)فضلا عن عدد من متاحف الفن المعاصر في أمريكا و بلدان أخرى أوربية وعربية.
كانت قد سعت(مها مصطفى- تولد بغداد/1961- درست الفن في أكاديمية الفنون الجميلة فيها، بعد ان حققت نجاحات باهرة في ملاك معرضها على قاعة بغداد في شارع حيفا/1986ثم نيلها جائزة النحت الأولى في مهرجان الواسطي ببغداد1989وقبلها الجائزة الأولى للسيراميك-أيضا-في مهرجان الوسطي/1987)
كان هذا المعرض يشكل وقتها اول تجارب فن الحداثة لجيل الشباب، فكان فيه خروجا عن المألوف وصدمة للذوق التقليدي السائد من خلال أسلوب العرض وأفكاره، كان هذا المعرض اول تجارب فن (الانستليشن) الفن التركيبي الإنشائي في الفن العراقي الحديث ، حيث جسدت مها مصطفى تأثير الحرب في البيئة والانسان من خلال موضوع الموت والحياة وباستخدام مواد ومعالجات جديدة. فلقد مزجت العظام مع الطين وفخرتهما في عمل فني واحد مثل (شاهد من هذا العصر) و (بقايا ما تبقى). وهذا ما اكده ايضا الفنان الرائد شاكر حسن آل سعيد في محاضرة عقدت على هامش هذا المعرض وقتها حيث قال ان : هذه التجربة تعد تجربة رائدة لفن الحداثة لجيل الشباب في الفن العراقي المعاصر.
لقد سعت الفنانة مها مصطفى - بعد هجرتها الى السويد منذ العام/1991-الى تعشيق فن النحت في ممكنات ما اختارت من أمكنة و فضاءات حرة بانساق تجترح و تقترح لاعمالها ان تزيد من قوة مهابة وتميز تلك الأمكنة والفضاءات، بفعل هيمنة شخصية الفنان الكبير والمجرب في تقوية صلته بالحداثة على اعتبارها منحى مدنينا وحضاريا قادرا على خلق كافة أنواع التأثيرات (فكرية-ذهنية- بصرية) فضلا عن سبل العرض الأخرى كالتي تقترحها أعمال (مها) في فناءات متاحف وباحات ومداخل أبنية، جعلت منها نسقا استثنائيا...عالميا... ملهما لبث الكثير من الأفكار والرؤى المعززة بموقف انسانية جراء ما تتعرض له البيئة من جور وتجاوز واستعلاءات قصدية من قبل الانسان نفسه، وهذا ما يجعل من هذه النحاتة أن لا تقف مكتوفة البوح والتحريض والأيدي امام مجريات كل تلك التجاوزات، أنها تفيض اخلاصا وتحديا نادرا على ما هو سائد ومألوف، وما هو يومي ..عادي .. متكرر ومجتر ومباح، في مجمل ايمانها الراسخ-ربما- بما كان يقوله (بيكاسو) ويردده على الدوام ؛( أنا لا ابحث ... أنا أجد )
لذلك تجد (مها مصطفى)- بفائض من قيمة كونها امرأة ذات هم جمالي من طراز خاص، كما هي أعمال المعمارية الشهيرة (زها حديد) بجوانب عديدة، باعتقادي وظني- انها امام مواجهة مستمرة في ترسيخ معتقداتها وتطلعاتها المتمردة-كما أشرنا- على السائد والمألوف، ولكن بهدوء أتزان ... وسعة تأمل... وتوحد ذهني تام مع الذات والمحيط الذي تحيا فيه، بغية الظفر بقيم توريد نوازع الحداثة التي تسكن أعمالها، وبما يوازي ثقة مفاهيم وعيها في استنطاق مفردات الصمت، وبما ورائيات ذلك النوع من الصمت (المأهول بالأصوات) وفق مقاسات التعبير البصري النفسي- الحسي والحدسي معا، ومن خلال تقليب جمرات تواصل الخيال في مواقد الواقع ،لكي يندغم الاثنان معا، في مباهج تتويج لحظات الاحتفاء بالمنجز البصري على هذا النحو من التواصل الضمني و الخلاق، عبر طبيعة وكيفية النفاذ اليه (أي الخيال)،ف(بدون الخيال لا يمكن ادراك الواقع) كما يؤكد أغلب فلاسفة علم الجمال ... الجمال الذي هو-دائما- بحاجة الى حقيقة تبرهن على وجوده وتشارك في مسعاه.