نكزت صديقي الذي كان إلى جانبي في حفل تكريم المتفوقين من طلبة السادس العلمي والذي أقامته إحدى المدارس الثانوية الأهلية بالبصرة حين أعلنت إدارة الثانوية بأن ثلاث عشرة طالبة كن متفوقات مقابل أربعة طلاب فقط كانوا متفوقين، وقد لاحظنا معا الفارق الكبير بين الفريقين، كنا قد أضمر كل منا حديثه للآخر، وفي طريق عودتنا جرى الحديث طويلا عن نجاح وتفوق الأنثى، والتي أخذت منا المآخذ والأسباب مثل قعودها في البيت وخروج الولد منه وانشغاله بالعمل ومساعدة الوالد والأسرة، والوضع الأمني والمناخ الاجتماعي والهم الاقتصادي والعديد من ذلك، لكننا أجمعنا معاً على أن المرأة لم تعط حقها كاملاً في الحياة، وأن العقل الذكوري شلَّ حركتها وعطلها. ثم أسرني وهو المدرس الثانوي، بأن مشكلة كبيرة تواجه مديريات التربية الآن مفادها انها تؤشر خطراً اجتماعياً على المدى البعيد، إذ أن معدلات نتائج الامتحانات عند الطالبات يتصاعد ويتضاعف مقابل تراجع وضعف لدى الطلّاب، والتربية تجد أن نسبة قبول الطالبات في الكليات العلمية لم يعد يتناسب مع نسبة قبول الطلاب.
لا نريد أن نتحدث عن هموم وزارة التربية وما تفكر فيه حيال قضية مهمة مثل هذه، لكننا نريد أن نتحدث عن واقع التربية والتعليم الحكوميين في العراق اليوم، الذي يقر الجميع برداءته وتعثره إلى الحد الذي نقول فيها إن عدد المدارس الأهلية في البصرة وحدها ربما يوازي عدد المدارس الحكومية، وأن الأسر العراقية باتت تنفق من مالها الكثير وتقتطع الجزء الأهم منه على تعليم أبنائها في المدارس الاهلية بعد أن وجدت أن نسب النجاح هناك آخذة بالارتفاع وهذه مؤشرات تحمل في باطنها أكثر من معنى إيجابي مثلما تنطوي على معان أخرى ليس أقلها انعكاس ذلك على دخل الأسرة وقيمة ما يتعلمه الطالب وجدية المشروع التعليمي في العراق وإمكانية استيعاب مُخَرّجي الجامعات في مؤسسات الدولة وأهلية القطاع الخاص لاستيعابهم وهكذا. لكنّا نقف ثانية بتمعن أكبر أمام قضية تفوق المرأة في الدراسة إزاء موقف المجتمع والمؤسسة الدينية-السياسية منها.
في مناسبات نسائية كثيرة يمتنع الكثير من المسؤولين العراقيين، من الذين أهلتهم التيارات الدينية للحضور ورعاية المناسبات تلك، يمتنعون عن مصافحة المرأة صاحبة الحفل والداعية إليه بدعوى ان التشريع لم يقر بذلك، وأن الرجل يأثم عند مصافحتها، وهي رجس، وناقصة طهارة وعقل وحظ ... وحتى اليوم نجد هناك من يرى في حضورها الاجتماعي عارا عليه، ومنقصة في طاعتها أو الاعتراف بمقدرتها وأهليتها في قيادة مناصب كثيرة، والغريب أكثر أنها ماضية تتفوق وتتميز مقابل النكران والجحود كله، وفي منظورنا البعيد أنها لن تجد ضالتها تحت هيمنة العقلية الحالية، وان تمثيلها في مؤسسات الدولة العراقية بما فيها البرلمان العراقي لم يكن كاملاً لأنها لم تختر واحدة من اللواتي يجلسن هناك، إنما كان اختيارهن من قبل التيارات الدينية تلك، وهكذا لا يتمكن عاقل بيننا من الموازنة بين قضيتين رئيسيتين: تقدم وتفوق المرأة مقابل عدم الاعتراف بها .
تظل كلمات مثل الدين أنصف المرأة، وأعطاها حقها الكامل وهي نصف المجتمع والجنة تحت أقدام الأمهات وغيرها من الأدبيات التي لم تجد ما يعادلها على أرض الواقع، تظل عبارات غير منتجة يعوزها الكثير من العمل لكي تتحقق، وما لم تتنبه الدولة لتجارب الشعوب الأخرى في معالجة قضايا المرأة خارج الميثولوجيا الدينية، خارج الإطار الاجتماعي الظالم والمتخلف لن نجد عند مؤسساتنا التعليمية ما تدافع فيه عن نفسها، وستذهب الأموال الكبيرة التي تنفقها الدولة وتقتطعها الأسر من لقمة عيشها أدراج الرياح. لكن ذلك لا يمانع من رؤيتنا لمشهد آخر قد يفجّر أوضاعنا باتجاه آخر، أوضاعنا التي أخفقت الحكومة في إيجاد نهايات عاقلة لها. ولنتذكر جيداً أن الطالبات المتفوقات، اللواتي حضرنا حفل تكريمهن كن طالبات في الصف السادس العلمي. العلمي وليس الأدبي، بمعنى آخر، لا نقصان في عقولهن.
التفوق أنثى في البصرة
[post-views]
نشر في: 7 سبتمبر, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...