اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التفوق أنثى في البصرة

التفوق أنثى في البصرة

نشر في: 7 سبتمبر, 2013: 10:01 م

نكزت صديقي الذي كان إلى جانبي في حفل تكريم المتفوقين من طلبة السادس العلمي والذي أقامته إحدى المدارس الثانوية الأهلية بالبصرة حين أعلنت إدارة الثانوية بأن ثلاث عشرة طالبة كن متفوقات مقابل أربعة طلاب فقط كانوا متفوقين، وقد لاحظنا معا الفارق الكبير بين الفريقين، كنا قد أضمر كل منا حديثه للآخر، وفي طريق عودتنا جرى الحديث طويلا عن نجاح وتفوق الأنثى، والتي أخذت منا المآخذ والأسباب مثل قعودها في البيت وخروج الولد منه وانشغاله بالعمل ومساعدة الوالد والأسرة، والوضع الأمني والمناخ الاجتماعي والهم الاقتصادي والعديد من ذلك، لكننا أجمعنا معاً على أن المرأة لم تعط حقها كاملاً في الحياة، وأن العقل الذكوري شلَّ حركتها وعطلها. ثم أسرني وهو المدرس الثانوي، بأن مشكلة كبيرة تواجه مديريات التربية الآن مفادها انها تؤشر خطراً اجتماعياً على المدى البعيد، إذ أن معدلات نتائج الامتحانات عند الطالبات يتصاعد ويتضاعف مقابل تراجع وضعف لدى الطلّاب، والتربية تجد أن نسبة قبول الطالبات في الكليات العلمية لم يعد يتناسب مع نسبة قبول الطلاب.
  لا نريد أن نتحدث عن هموم وزارة التربية وما تفكر فيه حيال قضية مهمة مثل هذه، لكننا نريد أن نتحدث عن واقع التربية والتعليم الحكوميين في العراق اليوم، الذي يقر الجميع برداءته وتعثره إلى الحد الذي نقول فيها إن عدد المدارس الأهلية في البصرة وحدها ربما يوازي عدد المدارس الحكومية، وأن الأسر العراقية باتت تنفق من مالها الكثير وتقتطع الجزء الأهم منه على تعليم أبنائها في المدارس الاهلية بعد أن وجدت أن نسب النجاح هناك آخذة بالارتفاع وهذه مؤشرات تحمل في باطنها أكثر من معنى إيجابي مثلما تنطوي على معان أخرى ليس أقلها انعكاس ذلك على دخل الأسرة وقيمة ما يتعلمه الطالب وجدية المشروع التعليمي في العراق وإمكانية استيعاب مُخَرّجي الجامعات في مؤسسات الدولة وأهلية القطاع الخاص لاستيعابهم وهكذا. لكنّا نقف ثانية بتمعن أكبر أمام قضية تفوق المرأة في الدراسة إزاء موقف المجتمع والمؤسسة الدينية-السياسية منها.
  في مناسبات نسائية كثيرة يمتنع الكثير من المسؤولين العراقيين، من الذين أهلتهم التيارات الدينية للحضور ورعاية المناسبات تلك، يمتنعون عن مصافحة المرأة صاحبة الحفل والداعية إليه بدعوى ان التشريع لم يقر بذلك، وأن الرجل يأثم عند مصافحتها، وهي رجس، وناقصة طهارة وعقل وحظ ...  وحتى اليوم نجد هناك من يرى في حضورها الاجتماعي عارا عليه، ومنقصة في طاعتها أو الاعتراف بمقدرتها وأهليتها في قيادة مناصب كثيرة، والغريب أكثر أنها ماضية تتفوق وتتميز مقابل النكران والجحود كله، وفي منظورنا البعيد أنها لن تجد ضالتها تحت هيمنة العقلية الحالية، وان تمثيلها في مؤسسات الدولة العراقية بما فيها البرلمان العراقي لم يكن كاملاً لأنها لم تختر واحدة من اللواتي يجلسن هناك، إنما كان اختيارهن من قبل التيارات الدينية تلك، وهكذا لا يتمكن عاقل بيننا من الموازنة بين قضيتين رئيسيتين: تقدم وتفوق المرأة مقابل عدم الاعتراف بها .
  تظل كلمات مثل الدين أنصف المرأة، وأعطاها حقها الكامل وهي نصف المجتمع والجنة تحت أقدام الأمهات وغيرها من الأدبيات التي لم تجد ما يعادلها على أرض الواقع، تظل عبارات غير منتجة يعوزها الكثير من العمل لكي تتحقق، وما لم تتنبه الدولة لتجارب الشعوب الأخرى في معالجة قضايا المرأة خارج الميثولوجيا الدينية، خارج الإطار الاجتماعي الظالم والمتخلف لن نجد عند مؤسساتنا التعليمية ما تدافع فيه عن نفسها، وستذهب الأموال الكبيرة التي تنفقها الدولة وتقتطعها الأسر من لقمة عيشها أدراج الرياح. لكن ذلك لا يمانع من رؤيتنا لمشهد آخر قد يفجّر أوضاعنا باتجاه آخر، أوضاعنا التي أخفقت الحكومة في إيجاد نهايات عاقلة لها. ولنتذكر جيداً أن الطالبات المتفوقات، اللواتي حضرنا حفل تكريمهن كن طالبات في الصف السادس العلمي. العلمي وليس الأدبي، بمعنى آخر، لا نقصان في عقولهن.    

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram